مقال

الدكروري يكتب عن سمات الوفاء

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن سمات الوفاء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من أعظم سمات الوفاء هو معاملة الوالدين بالبر، والزوجة بالرحمة، والزوج بالطاعة، والأولاد بالتودد والرأفة، والأقارب بالصلة، والصديق بالمروءة، وعليك ببذل مشاعرك لتحقيق ذلك الهدف وبلوغ تلك المنزلة، واعلموا أنه لن يكون المرء وفيا حتى يكون ببذل مشاعره سخيا، فإن الوفاء من صفات العظماء، ممدوح صاحبه من القريب والبعيد، والعدو والصديق، وكفى به فضلا أن يمدح صاحبه وإن خالف فعله أهواء الرجال وميول الأنفس نحو ما تريد، فقد سأل الخليفة العباسي المنصور بعض بطانة هشام بن عبدالملك عن تدبيره في الحروب، فقال كان رحمه الله تعالى يفعل كذا وكذا، فقال المنصور قاتلك الله، تطأ بساطي وتترحم على عدوي، فقال إن نعمة عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها عني إلا غاسلي.

 

فقال له المنصور ارجع يا شيخ، فإني أَشهد إنك لوفي حافظ للخير، ثم أمر له بمال، فأخذه وقال والله لولا جلالة أمير المؤمنين وإمضاء طاعته ما لبست لأحد بعد هشام نعمة، فقال له المنصور لله درك، فلو لم يكن في قومك غيرك لكنت قد أبقيت لهم مجدا مخلدا، ولما استشهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، أعرضت زوجته نائلة الكلبية عن الرجال، وامتنعت عن الخُطاب وفاء لعثمان، فخطبها أحد الخلفاء فردته، وقالت ما يُعجب الرجل مني؟ قالوا ثناياك، فكسرت ثناياها وبعثت بها إليه، فكان ذلك مما رغب قريشا في نكاح نساء بني كلب، وفي زمان قل فيه الوفاء، وتغيرت معادن الرجال، وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ذئابا على أجسادهن ثياب، فإنه حري بالمرء إذا رُزق بشخص وفيّ أن يتمسك به.

 

فإنه عملة نادرة في غير زمانها، وثمرة يانعة في غير أوانها، ونعمة تستحق أن ينافس من أجل بقائها، فإن الوفاء من صفات الرجولة، ومن المحامد العظيمة النبيلة، وما زالت الأمم على اختلاف مشاربها ودياناتها تثنى على أهل الوفاء، وتذم أهل الغدر والخيانة، والوفاء نجم في سماء الأخلاق، وقال الراغب الأصبهاني “الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، وذلك أن الوفاء صدق اللسان والفعل معا، والغدر كذب بِهِما لأن فيه مع الكذب نقض العهد، والوفاء يختص بالإنسان، فمن فقد فيه الوفاء فقد انسلخ من الإنسانية، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قواما لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون، ولا يتم تعاونهم إلا مراعاة العهد والوفاء.

 

ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التعايش، ولذلك عظم الله تعالى أمره، ولقد عز الوفاء بين الأهل والأصدقاء، بل بين الأبناء والآباء، وانتشرت الخيانة حتى أن الابن ليضع أباه في دار العجزة، وأي خيانة أكبر، والأشد والأعظم أن يضع أمه وهي عِرضه عند أغراب، أما الأصدقاء فقل الوفي فإذا جئته يوم حاجة اعتذر، وإن إأتمنته على أمر غدر، وتجد الزوج يطلق زوجته بعدما هرمت وعجزت وقد خدمته سنين ولم يعد لها أحد، والزوجة تخرج عن زوجها وقد شاخ ورقَّ عظمه، وهو في النساء نادر، فليت هؤلاء إذ عجزوا عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالسموأل اليهودي، وقد نص الفقهاء على الوفاء حتى في دار الحرب، فقال ابن قدامة “حكم ما لو أطلق الأسير وأمَّنوه.

 

فإن أطلقوه وأمنوه صاروا في أمان منه لأن أمانهم له يقتضي سلامتهم منه, فان أمكنه المضي إلى دار الإسلام لزمه, وإن تعذر عليه أقام وكان حكمه حكم من أسلم في دار الحرب، وإن أطلقوه وشرطوا عليه المقام عندهم لزمه ما شرطوا عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم “المؤمنون عند شروطهم”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى