مقال

الدكروري يكتب عن عندما يسود الوفاء القلوب

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عندما يسود الوفاء القلوب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه كما يكون الأدب مع الله تعالى يكون مع نبيه صلى الله عليه وسلم ففي حياته يكون الأدب في الحديث والخطاب والتوقير في القلوب توقيرا ينعكس على نبراتهم وأصواتهم ويميز شخص الرسول صلى الله عليه وسلم من بينهم، والله عز وجل يدعوهم لذلك ويحذرهم من مخالفته، ولقد تربى جيل الصحابة رضي الله عنهم على هذا الفهم الواعي فكانوا قمة في الأدب والتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما جاء من حديث أنس رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية ” يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي” وكان ثابت بن قيس بن الشماس رضي الله عنه رفيع الصوت فقال أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله أنا من أهل النار، حبط عملي وجلس في أهله حزينا.

 

ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له تفقدك رسول الله مالك؟ قال أنا الذي أرفع صوتي فوق النبي واجهر له بالقول، حبط عملي أنا من أهل النار فاتوا النبي فاخبروه بما قال، فقال “لا بل هو من أهل الجنة” قال أنس رضي الله عنه فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة” رواه الإمام أحمد، ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الوفاء، مما تستأنس بذكره القلوب، وتستلذ بإيراده الأسماع، ومن ذلك عظيم وفائه صلى الله عليه وسلم لزوجته السيدة خديجة رضى الله عنها، حيث كان صلى الله عليه وسلم وفيا لها في حياتها وبعد موتها تقديرا لموقفها العظيم في نصرة الإسلام في أول أمره وحال ضعفه.

 

ومن وفائه صلى الله عليه وسلم لها أنه لم يتزوج عليها حال حياتها حتى لا يحزنها، ولما ماتت فقد تجسد الوفاء كله منه صلى الله عليه وسلم نحوها، فقد كان يذبح الشاة ويقسمها في صاحبات خديجة، وكان إذا أتي بالشيء يقول صلى الله عليه وسلم “اذهبوا به إلى فلانة، فإنها كانت صديقة خديجة، اذهبوا إلى بيت فلانة فإنها كانت تحب خديجة” وقالت عائشة قالت “جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عندي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم “من أنت؟” قالت أنا جثامة المزنية، فقال “بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟” قالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت، قلت يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟

 

فقال إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان” وكان صلى الله عليه وسلم يرتاح لاستئذان هالة بنت خويلد رضي الله عنها عليه لما يُذكره ذلك باستئذان خديجة، فقالت عائشة رضي الله عنها “استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك، فقال “اللهم هالة” فغرت فقلت وما تذكر من عجوز من عجائز قريش؟ ومن وفائه صلى الله عليه وسلم ما قاله في أسرى بدر “لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له” وذلك وفاء لصنيع المطعم بن عدي حيث إنه أجار النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يدخل مكة بعد رجوعه من الطائف، ولأنه كان ممن نقض الحصار الذي ضربته قريش على بني هاشم.

 

لإرغامهم على تسليم النبي صلى الله عليه وسلم لهم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو كان المطعم بن عدي حيا وسأله هؤلاء الأسرى لمنّ عليهم بالعتق مجازاة له بحسن صنيعه، فما أجمل الوفاء فإنه يرقق القلوب ويهذبها، ويدفعها للرقي في طلب المعالي، ويتميز صاحبه عن أقرانه ولذلك فقد قيل “إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل، فانظر كيف تحننه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه” فما أحوج الناس إلى أن يسود بينهم الوفاء فإنه طريق إلى البر وسبيل إلى كل خير، وإن من أعظم الدلائل على كبير قدره أنه صار عزيزا بين الناس حتى قيل اشدد يديك بمن بلوت وفاءه، إن الوفاء من الرجال عزيز، فكن وفيا ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى