مقال

الدكروري يكتب عن ما خلقناهما إلا بالحق

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن ما خلقناهما إلا بالحق

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الله تبارك وتعالى خلق مخلوقاته كلها بسبب الحق، ولأجل الحق فقال سبحانه وتعالى فى سورة الدخان ” وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون” والحق هو الحكم والغايات التي لأجلها خلق الله ذلك كله، وهي كثيرة، ومنها أن يُعرف الله بأسمائه وصفاته، وأفعاله وآياته، ومنها أن يحب ويُعبد، ويُذكر ويُشكر، ويُطاع فلا يُعصى، ومنها أن يأمر وينهى، ويشرع الشرائع، ويدبر الأمر، ويتصرف في ملكه بما يشاء، ومنها أن يثيب ويعاقب، فيجازي المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته، فيظهر أثر عدله وفضله لعباده، فيحمد على ذلك ويُشكر.

 

ومنها أن يعلم خلقه أنه لا إله لغيره، ولا رب سواه، ومنها ظهور آثار أسمائه وصفاته على تنوعها وكثرتها جلية في مخلوقاته، ومنها أنه سبحانه وتعالى يحب أن يجود وينعم، ويعفو ويغفر، ويسامح ويصفح، ولا بد من لوازم ذلك عقلا وشرعا، ومنها أنه يحب أن يثنى عليه، ويُمدح ويُمجّد، ويُسبّح ويُعظم، وغير ذلك من الحكم التي تضمنها الخلق، وكل من عُرض عليه الحق فرده ولم يقبله عُوقب بفساد قلبه وعقله ورأيه, فقال سبحانه وتعالى فى سورة الصف ” فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدى القوم الفاسقين” ومن كفر بالحق بعد أن عمله كان سببا لطبع الله على قلبه, فقال سبحانه وتعالى فى سورة النساء.

 

” بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا” والقلوب عند ورود الحق عليها لها أربعة أحوال، فهى قلب يفتتن به كفرا وجحودا, وقلب يزداد به إيمانا وتصديقا, وقلب يتيقنه فتقوم عليه به الحجة, وقلب يوجب له حيرة وعمى فلا يدرى ما يراد به, وقال سبحانه وتعالى فى سورة المدثر ” وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين فى قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هى إلا ذكرى للبشر”

 

وإن هذه الأمة أولى الأمم باتباع الحق، ففوق أنه الحق هو كذلك مجد لها وذكر, فقال سبحانه وتعالى فى سورة الأنبياء ” لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون” وما كان لها لولاه من ذكر في العالمين، وقد ظلت أمة العرب لا ذكر لها في تاريخ العالم حتى جاءها الإسلام وصعد بها إلى القمة الساحقة, وقد ظل ذكرها ومجدها وعزها يدوى في آذان القرون حينما كانت مستمسكة به، إيمان وأمان، وعدل وإحسان، ورحمة وشفقة، وغير ذلك من مكارم الأخلاق، فوا أسفاه وقد تضاءل ذكرها الآن عندما تخلت عنه فى كثير من ديار الإسلام، فأصبحت تؤمر ولا تأمر، وتنصت ولا تتكلم، وترقد في آخر مواطن الذل والهوان.

 

فما لها لا تعود إلى ربها، وقد ملكها الله الدين الذي تصل به إلى مدارج العز والعلا، وإنه يختلف المتخصصون حول مصدر الحق على رأيين اثنين، فيرى جزء إلى أن الحق هو مفهوم فطرى المصدر، مستمد في وجوده من الإنسان نفسه، وأن العقل السليم يكشف عنه، كالحق في الحياة، والحرية، والعمل، والأمن على النفس والأهل والمال، ونحو ذلك، وهم يعدون هذه الحقوق وأمثالها ملازمة للإنسانية، وليس لأحد أن يتعدى على هذه الحقوق أو أن ينهي وجودها، لأنها أشياء تتسم بالمثالية والسمو، تفرضها طبائع الأشياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى