مقال

الدكروري يكتب عن مرور الأيام والليالي 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن مرور الأيام والليالي

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

قد ظهر الفساد في البر والبحر، والفساد في البر بما يصيبوا الأرض من منع البركات، وغور المياه، وانحباس الأمطار، ويبس الأشجار وغير ذلك، وإصابة الثمار وكساد الأموال والتجارات وغير ذلك من أنواع العقوبات التي كلها نشاهدها، ولكن لا نعتبر ولا نبحث عن أسباب هذه العقوبات بل منا وفينا وبين أظهرنا من يكتب ويقول ليست هذه المصائب وهذه الآفات بسبب الذنوب، إنما هذه كوارث طبيعية تجري بدون سبب من الناس، وهذه غفلة عن سنن الله تعالي الكونية وإعراض عن تدبر القرآن والاعتبار الذي أمر الله عز وجل به فيما يجري من الحوادث، ومع هذا يسرحون ويمرحون ولا ينكر عليهم ولا يمنعون من أقوالهم الباطلة ونشرها وكتابتها.

 

وهذا ما يجري على أبناءنا من قبلنا فليس فيه عبرة ولا عظة وإنما هو عادة، وإن الأيام طبيب تداوي الألم وتعالج النفس مما ألم بها، وتكشف لك أمور كنت تظنها على غير هيئتها وتبقى كمشرط الجراح الماهر تحسم موقفا وتقطع ما قد تلف وفسد وتثبت ما ومن أهتز، وتعطيك فرصة للنسيان وتضمد جراحا كانت تنزف، وتعيد لك الثقة بالنفس إن كانت لديك الإرادة وحسن الإدارة، والانتصار لمن يصبر، وفي مرور الأيام والليالي، وتعاقب الشهور والأعوام عبرة وعظة، عبرة في سرعة انقضاء الأعمار، وعظة في قرب حلول الآجال، وأليست هذه الأيام والشهور مراحل نقطعها من أعمارنا فمع غروب شمس كل يوم وانتهاء كل شهر، وانصرام كل عام تنقص الآجال.

 

ويقترب حلول الموعد المجهول؟ وألسنا في كل يوم نودع غالي، ونشيع حبيبا، ونودع الثرى عزيزا، وفي ذلك إنذار لنا بأن المصير واحد، ولكل أجل كتاب؟ وإن الأعمار مضروبة والآجال مقسومة، وكل واحد منا قد قسم له نصيبه في هذه الحياة، فهذا يعيش خمسين سنة، وذاك يعيش ستين سنة، وذاك يعيش عشرين سنة، وأنت منذ أن خرجت إلى الدنيا، وأنت تهدم في عمرك وتنقص من أجلك، وإن الإنسان في هذه الحياة الدنيا كمثل المسافر والناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حط رحالهم إلا في الجنة أو في النار، والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذة وراحة.

 

وإنما ذلك بعد انتهاء السفر، وإن في شروق شمس كل يوم، واستهلال كل عام منحة يسوقها الله عز وجل لمن شاء من خلقه، والناس ما بين مستثمر لها ومضيع، فمن الناس من أيقن بسرعة مرور الليالي والأيام وانقضاء الأعمار، فتراه في سباق مع الزمن، يستثمر كل مناسبة، ويبذل كل جهد في الطاعة، لا يحقر من المعروف شيئا، ولا يستهين من محقرات الذنوب ذنبا، همه في صباحه ومسائه، كسب مزيدا من الحسنات، والإكثار من القربات، غايته يسعى لنيل رضا مولاه، ويسعى للفوز بجنته وكرامته، وهناك وقفة جميلة تفكرت فيها بين ولادة الإنسان ووفاته، فالمولود حين ولادته يؤذن في أذنه اليمنى وتقام الصلاة في اليسرى.

 

ومعلوم أن كل أذان وإقامة يعقبهما صلاة، فأين الصلاة؟ وصلاة الجنازة ليس لها أذان ولا إقامة، لأنه قد أذن وأقيم لها عند ولادتك، والفترة التي بين الأذان والإقامة والصلاة كفترة عمرك في الدنيا ويجب أن نعلم أن انصرام اليوم يعني انصرام بعضك كما قال الحسن البصري “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك” وقال “يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمك، وكذلك ليلتك” وقال “الدنيا ثلاثة أيام، أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدا فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه” فكل يوم يمر عليكم تزدادون بعدا من الدنيا وقربا من الآخرة فاعملوا وتزودوا لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى