مقال

الدكروري يكتب عن الشفاء من الحقد

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الشفاء من الحقد

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

يقول بعض العلماء رأيت امرأة بالبادية، وقد جاء البرد فذهب بزرعها، فجاء الناس يعزّونها فرفعت رأسها إلى السماء، وقالت “اللهم أنت المأمول لأَحسنِ الخلف وبيدك التعويض مما تلف، فافعل بنا ما أنت أهله، فإن أرزاقنا عليك وآمالنا مصروفة إليك” قال فلم أبرح حتى مرّ رجل من الأَجلاء، فحدّث بما كان فوهب لها خمسمائة دينار، فأجاب الله دعوتها وفرّج في الحين كربتها، وذلك بسبب طاهرة قلبها وسلامة سريرتها، فإن الحقد هو الداء الدفين الذى لا يحمله، إلا جهول مليء النفس بالعلل، فمالي وللحقد يشقيني وأحمله، إني إذن لغبي فاقد الحيل، سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب لي، ومركب المجد أحلى لي من الزلل، إن نمت نمت قرير العين ناعمها.

 

وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي وأمتطي لمراقي المجد مركبتي، لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي، فإن الشفاء من الحقد نعمة من الله سبحانه وتعالى، وليس أهنأ في الحقيقة، ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب بريء من وسواس الضغينة وثوران الأحقاد، ومستريحا من نزعة الحقد الأعمى، فإن فساد القلب بالضغائن داء عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش كما يتسرب الماء من الإناء المثلوم، وقد قال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة المائدة ” إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ” ومن هنا يقول تعالى ذكره، إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح.

 

ويحسن ذلك لكم، إرادة منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح، ليعادي بعضكم بعضا، ويبغض بعضكم إلى بعض، فيشتت أمركم بعد تأليف الله عز وجل بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوة الإسلام، ويصدكم عن ذكر الله تعالى، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن صلى الله عليه وسلم قال ” إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا” وهذا حديث متفق عليه، فعلى المؤمنين أن يكونوا متحابين، متصافين غير متباغضين ولا متعادين، يسعون جميعهم لمصالحهم الكلية التي بها قوام دينهم ودنياهم، لا يتكبر شريف على وضيع، ولا يحتقر أحد منهم أحدا.

 

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” إذا فُتحت عليكم فارس والروم، أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف، نقول كما أمرنا الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض ” رواه مسلم، وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ” دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم؟ أفشوا السلام بينكم”

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى حديثه هذا، دب، أي نقل وسرى ومشى بخفيه إليكم داء الأمم قبلكم، والحسد أي في الباطن، والبغضاء أي العداوة في الظاهر، وسميا داء لأنهما داء القلب وهي البغضاء، وهو أقرب مبنى ومعنى، أو كل واحدة منهما، ومعنى الحالقة، أي القاطعة للمحبة والألفة والصلة والجمعية، وإن الخصلة الأولى وهى الحسد هي المؤدية إلى الثانية، وهى البغضاء، ولذا قدّمت، فيقول صلى الله عليه وسلم لا أقول تحلق الشعر، أي تقطع ظاهر البدن، فإنه أمر سهل، ولكن تحلق الدين، وإن الحسد ضرره عظيم في الدنيا والآخرة، وهكذا فإن البغضاء تذهب بالدين كالموس مع الحلاق التى تذهب بالشعر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى