مقال

لو أن أفكارنا وأخلاقنا مثل منشوراتنا، لأصبح عالمنا فردوساً

جريدة الاضواء

لو أن أفكارنا وأخلاقنا مثل منشوراتنا، لأصبح عالمنا فردوساً

كتب حماده غالي
لا أدرى لماذا أينما كنت، وحيثما حللت
تظل مسألة الكتابة وعمل المنشورات على الفيسبوك تحتاج مني أنا بالذات إلى تبرير للناس، وتوضيح للناس، وإبداء الكثير من الأسباب المقنعة لهم!!

أينما يصادفني أحدهم في أي مكان يبادرني بالأسئلة:
– لماذا تكتب يومياً؟؟
– وما الفائدة والعائد عليك؟ خاصة وأنت تواجه في بعض الأحيان معارضون؟
– ماذا تربح مادياً ونفسياً من وراء ذلك؟

حاولت كثيراً إقناعهم بأنها هواية مثل أي هواية،
وأنني أعشقها وأبتغيها، وأرى مكانتي عند آخر سطر فيها….

وسألتهم بالقياس: لماذا لا يسألون لاعب الكرة لماذا تلعب؟!
لماذا لا يقولون لمنشد لماذا تنشد؟!.

لماذا بالذات الكتابة، تبدو لكم سلوك وقح؛ يجب تفسيره؟!.
لماذا تسألوني: لـمَ تكتب؟ وكيف تكتب؟ ولماذا تكتب؟!

قد تبدو لكم هواية الكتابة إذا قورنت بهوايات أخرى مثل اللعب أو التمثيل، أو الموسيقى، تبدو غير نافعة، وغير مجدية، ولا فائدة منها، فلا أحد من الناس يعتبر كتابة الأفكار والرؤى وتحليل الأحداث هواية مفيدة.

رغم أن التاريخ يقول عكس ذلك، حيث حكى لنا أن الرحالة أضاعوا أعمارهم يمرون على البلدان والقرى، يستمعون الحكايات ويكتبونها، حتى وصلت إلينا، وانتفعنا بها جيلاً بعد جيل.

الكتابة هواية مثل أى هواية أخرى،
هواية كمثل هواية شاعر الربابة، كان يجول القرى والمقاهي قديماً؛ يحكي سيرة ابوزيد الهلالي، وحكايات الزناتي خليفة، وقصص وبطولات عنترة.

ولما انتهى عصر شعراء الربابة وحكاياتهم؛ بسبب التطور وظهور الراديو، رحل شعراء الربابة

رحلوا بعد عشرات السنين من الإنشاد في الأماكن العامة والمقاهي؛ لأنه قد حل عصر التقدم،
رحل الشاعر، وجاء الراديو، وهذه سُنّة الله في خلقه،
لكن رحيل الشعراء أبداً لا يعني نسيان المعرفة والحكايات التي كانوا يتغنون بها؛ فالحكايات تعرف كيف تقاوم الزمن، وتتمدد في الأذهان والوجدان…

لماذا تسألوني أنا بالذات: لماذا أكتب؟!!
ربما أكتب يا سيدي لأني لست قادر -مثل الآخرين- على أداء هواية أخرى أكثر فائدة ونفعا، أو ربما أني لا أحسن شيئاً آخر أفعله غيرها.

لكن على الأرجح أن الكتابة بالنسبة لي أشبه بالغريزة، التي لا يمكنني مقاومتها أو التوقف عنها، بعد أن تذوقت بمنتهى المتعه كتابات السابقين.

تعجبت قديماً وأنا أقرأ في الحكايات عن تلك القوة التي امتلكتها شهرزاد وهي تحكي نحو ثلاث سنوات، حكايات لا تنتهي، للملك المتوحش،
أتعجب كيف روضته، وهذّبت السفاح الذي داخله بالحكايات، تلك إذاً قـوةٌ عظمـى.

أنا لا أرقى، ولا أطمح إلى تغيير الواقع بالكتابة؛ لعلمي أن الكتابة وحدها لا تغيّر،
ووالله الذي لا اله غيره لو كانت أفكارنا وأخلاقنا مثل منشوراتنا لكان مجتمعنا قد أصبح فردوساً من الجنة

ولكن الحقيقة المرة التي يجب أن نواجهها ونعترف بها، أن العالم من حولنا أصبح ملىء بالبشاعة والظلم والوحشية.. وأن الكتابة وحدها لا يمكن أن تغير فكر وأخلاق الإنسان، فالطيب والشرير، والجميل والقبيح، إذا شبـوا على شيء من هذه الصفات شابوا عليه حتى الموت.

وفي النهاية…
الكتابة بالنسبة لي هي شأن ذاتي يخصني،
وحصني القادر على حمايتي،
من هذا التدهور والانحدار،
في الأخلاق والأفكار،

وأقول بعد الاعتذار: كتابتي هـي قلعتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى