تقارير و تحقيقات

العلاقة بين الإتفاقية الأمنية الموقعة بين الصين وجزر سليمان فى المحيط الهادئ والتنافس الأمريكى الصينى لعسكرة بحر الصين الجنوبى

جريدة الاضواء

العلاقة بين الإتفاقية الأمنية الموقعة بين الصين وجزر سليمان فى المحيط الهادئ والتنافس الأمريكى الصينى لعسكرة بحر الصين الجنوبى

تحليل للدكتورة/ نادية حلمى
أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف- الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية

تولى الصين أهمية بالغة لتعزيز نفوذها بقوة فى منطقة جنوب المحيط الهادىء، وذلك من خلال توطيد وتنمية علاقاتها مع الدول الجزرية هناك وعلى رأسها “جزر سليمان” وعاصمتها “هونيارا”، وقد إتضح ذلك فى تطور العلاقات بين بكين وهونيارا فى الفترة الأخيرة، كجزء من خطة الصين لتطويق منطقة الجزر المحيطة ببحر الصين الجنوبى ومضيق تايوان. فى الوقت الذى باتت فيه جزر سليمان تنتهج سياسة خارجية تتسم بالمرونة والمناورة، من خلال إستغلالها للتنافس الجيوسياسى بين واشنطن وبكين وتوظيفه لخدمة مصالحها وتعظيم مكاسبها قدر الإمكان.

وباتت الصين تعتمد فى علاقاتها الإقليمية المحيطة لحشد جميع الأطراف على الإعتراف بأحقية الصين فى الجزر المتنازع عليها فى بحر الصين الجنوبى، أو ما يعرف بـ (خط القطاعات التسعة)، وهو الذى يشير إلى خطوط الترسيم المستخدمة من قبل الصين لإثبات أحقيتها فى الجزء الأكبر من بحر الصين الجنوبى، بحيث تشمل معظم المناطق المتنازع عليها فى بحر الصين الجنوبى، وهى بالأساس:

(جزر باراسيل، جزر سبارتلى، والعديد من المناطق الأخرى، بما فى ذلك جزيرة براتاس وجروف فيريكر وجرف ماكليسفيلد ومياه سكاربورو الضحلة)

ومن هنا جاء أول رد فعل صينى على التحركات الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الإندو-باسيفيك بالمفهوم الأمريكى أو آسيا المحيط الهادئ بالمفهوم الصينى، خاصةً بعد توقيع الولايات المتحدة الأمريكية لإتفاقية كواد الرباعية مع أستراليا والهند واليابان وإتفاقية أوكوس الدفاعية والأمنية النووية مع أستراليا وبريطانيا، لتطويق وتحجيم الصين أساساً فى مناطق نفوذه المباشر فى بحر الصين الجنوبى. لذا جاء رد الفعل الصينى من خلال إنشاء تحالفات أمنية صينية رداً على مثيلتها الأمريكية، متزامناً مع إجراء مناورات عسكرية لجيش التحرير الشعبى الصينى فى تلك المنطقة، لذا أقدمت الصين على توقيع إتفاقية أمنية مع مجموعة جزر سليمان، تحت مسمى (إعلان شنغهاى)، مما أثار مخاوف دولية من إقتراب إعلان الصين السيطرة الفعلية على بحر الصين الجنوبى. خصوصاً وأن أستراليا تقع على بعد ١٥٠٠ كم جنوب جزر سليمان.

تتعلق مشكلة بحر الصين الجنوبي بوجود خلافات حول تقسيم الحدود البحرية بين الصين ومجموعة من الدول المطلة على البحر كتايوان والفلبين واليابان كحلفاء لواشنطن، حيث تدعي كل واحدة منها بأن لها الحق فى مياهه الإقليمية. ولازالت الخلافات مشتعلة حول جزر سبراتلي وبراسيلى. لذا أصدرت الصين خريطتها المشهورة المعروفة بـ (الخطوط التسعة)، والتي أكدت من خلالها على حقوقها التاريخية فيها. وفى الوقت ذاته عملت الصين على بناء الجزر الإصطناعية التي تم بناؤها على الشعاب المرجانية فى المنطقة والتي لاتزال الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى المحيطة بها تحذر من وجودها لكن الصين تؤكد مشروعية سياستها تجاه بحر الصين الجنوبى.

ويعد بحر الصين الجنوبى أهم منطقة مائية بالنسبة إلى الإقتصاد العالمي. حيث يمر من خلاله نحو ثلث التجارة العالمية. وهو أيضاً البحر الأخطر الذي يمكن أن يشهد مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وتظهر الدلالة الأبرز على هذا الإحتمال فى إصرار الولايات المتحدة، ومعها دول أخرى في المنطقة مثل كوريا الجنوبية واليابان والفلبين وفيتنام وغيرها، على إعتبار هذا البحر ممراً ملاحياً دولياً ومفتوحاً، فى حين تؤكد الصين بإستمرار أنه جزءاً أصيلاً من أراضيها وبحارها الداخلية، على غرار تعاملها مع تايوان التي تصر على الإستقلال.

وفى الوقت الحالى، يثير بناء الصين لـ (ثلاث جزر صناعية في بحر الصين الجنوبى) مخاوف تايوان كحليفة للولايات المتحدة الأمريكية حيال ما إذا كان ينبغي عليها تمديد مدرج جزيرة تايبينغ للتعامل مع طائرات حربية أكبر. وجاء تأكيد قائد القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ “جون أكويلينو” في مارس ٢٠٢٢، بأن الجيش الصيني قد أكمل بالفعل عسكرة الجزر الصناعية الثلاث، وسلحها بأنظمة صواريخ مضادة للسفن ومضادة للطائرات ومعدات ليزر وتشويش وطائرات مقاتلة فى مواجهة تايوان والأنظمة الحليفة لواشنطن كالفلبين واليابان.

وفى ذات السياق، فقد أثارت الإتفاقية الأمنية الموقعة بين الصين وجزر سليمان، والمعروفة بإسم “إعلان شنغهاى” مخاوف دولية من أن بكين تكثف جهودها للحصول على ما تسميه بالحقوق التاريخية على بحر الصين الجنوبى بأكمله، مع الوضع فى الإعتبار، بأن ذلك قد حدث بعد عدة ساعات من إعلان واشنطن أنها سترسل مسؤولين إلى جزر سليمان للتعبير عن المخاوف الأمريكية من إحتمالية إقامة موطئ قدم للصين عسكرياً فى تلك الجزر.

ولا تكتفي الصين ببناء قواعد عسكرية وجزر صناعية في حدودها البحرية فى بحر الصين الجنوبي، بل تضمن مناهجها الدراسية خرائط تظهر أن حدود الصين تلامس سواحل الدول الأخرى. ويتعلم أطفال المدارس الصينية منذ عقود أن حدود بلادهم تمتد لأكثر من ألف ميل حتى ساحل ماليزيا. وتستند بكين في إدعاءاتها ودفاعها رسمياً إلى أن النشاطات الصينية في بحر الصين الجنوبي تعود إلى أكثر من ألفي عام، وبالتالي فإن لها أساساً فى القانون الدولي، بما فى ذلك القانون العرفي للإكتشاف والإحتلال والمسمى التاريخى. وترد الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً بأن بحر الصين الجنوبى، بموجب القانون الدولى، هو مياه مفتوحة يطلق عليها إسم “المشاع البحرى لآسيا”، أى أنه لجميع الدول. وتوافقها فى هذا الرأى دول أخرى، مثل: أستراليا وبريطانيا واليابان. وتؤكد وزارة الخارجية الأمريكية، بأن الصين ليس لديها أى أساس قانونى فى مطالبها التى تشكل أكبر تهديد لحرية البحار في العصر الحديث.

وبسبب الخلافات الصينية- الأمريكية بشأن أنشطة الصين حول بحر الصين الجنوبى، لذا عمدت الولايات المتحدة الأمريكية على الدخول فى إتفاقيات أمنية ودفاعية مشتركة مع حلفاؤها الإقليميين المجاورين للصين فى منطقة الإندو-باسيفيك بالمفهوم الأمريكى أو آسيا المحيط الهادئ بالمفهوم الصينى، حيث دخلت الولايات المتحدة الأمريكية فى إتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، وإتفاقية كواد الرباعية مع أستراليا والهند واليابان، وإتفاقية أوكوس الدفاعية والأمنية النووية المثيرة للجدل مع أستراليا وبريطانيا، لضمان السيطرة على النفوذ والتمدد الصينى فى مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبى.

وفى الوقت الحالى، هناك تنافس أمريكى صينى حول الجزر المتنازع عليها فى بحر الصين الجنوبي، مع مشاركة القوات البحرية في جيش التحرير الشعبي الصيني فى عدة مناورات وتدريبات عسكرية بإستخدام عدة أنواع مختلفة من السفن وعشرات الطائرات الحربية فى مناورات بحرية ذات توجه قتالى فى بحر الصين الجنوبى، وهو ما يثير حفيظة ومخاوف وإستفزاز واشنطن. وهذا ذاته ما أكده الجنرال الصين “تيان جونلى”، وهو المتحدث بإسم قيادة مسرح العمليات الجنوبى بجيش التحرير الشعبي الصينى، بأن حاملة الطائرات الصينية أجرت التدريبات بشكل إحترافى وقياسى وفقاً للقوانين واللوائح المتعارف عليها دولياً.

وجاء الرد الأمريكى على الإنتشار العسكرى الصينى فى منطقة بحر الصين الجنوبى عبر تعزيز الجيش الأمريكى من تواجده فى الإقليم، وذلك فى مسعى لردع الصين، والتى تنفذ عملية تحديث وتوسيع مطردة لقدراتها العسكرية والنووية فى تلك المنطقة.

وفى إعتقادى بأن الأمر لن يصل إلى المواجهة المسلحة بين واشنطن وبكين، بل ستستمر حالة “عسكرة بحر الصين الجنوبى ومحاولة واشنطن وبكين زيادة حلفاؤهم فى تلك المنطقة عبر إتفاقيات وتحالفات وخلافه”، وهو ما نلاحظه من إنتشار السفن الحربية الأمريكية فى المنطقة المحيطة ببحر الصين الجنوبى، وذلك بوتيرة أعلى فى السنوات الأخيرة، وذلك فى “إستعراض للقوة العسكرية الأمريكية” فى مواجهة المطالب الصينية فى بحر الصين الجنوبى، دون أن يصل الأمر درجة المواجهة المسلحة بين الطرفين.

ومن هنا نفهم، وبناءً على تنامى القوة العسكرية للصين فى بحرها الجنوبى، فهناك حالة تشبه “عسكرة بحر الصين الجنوبى فى ظل التنافس الصينى الأمريكى”، مع وجود شبه إتفاق أمنى بين الولايات المتحدة الأمريكية وشركاؤها فى تلك المنطقة، كالهند وفيتنام وسنغافورة على زيادة وتيرة التسلح فى بحر الصين الجنوبى ومضيق تايوان، كما تميل اليابان إلى أن تفعل الشىء نفسه. وفى مقابل ذلك، تواصل الصين دعم قواتها البحرية بصورة مستمرة، فى إطار سياسة الرد ورد الفعل الصينى الأمريكى الممتدة فى تلك المنطقة ومحاولة حشد كلاً منهما الحلفاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى