القصة والأدب

الدكروري يكتب عن سلطان العارفين

الدكروري يكتب عن سلطان العارفين

الدكروري يكتب عن سلطان العارفين

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ذكرت المصادر الإسلامية الكثير والكثير عن الإمام أبا يزيد البسطامي وهو أبو يزيد طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامي، وهو متصوف إسلامي وروحاني وقد لقب بسلطان العارفين، وقال البسطامي بوحدة الوجود ونسبت إليه بعض الشطحات، كقول “لا إله إلا أنا فاعبدوني” وقوله “سبحاني ما أعظم شأني” وقال عنه الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين “وأما أبو يزيد البسطامي رحمه الله فلا يصح عنه ما يحكى وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز وجل في كلام يردده في نفسه، كما لو سمع وهو يقول “إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني” فإنه ما كان ينبغي أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل الحكاية” وفي تقرير مذهبه في الاتحاد يمضي البسطامي فيقول من ثلاثين سنة كان الحق مرآتي فصرت اليوم مرآة نفسي.

 

لأني لست الآن من كنته، وفي قولي أنا والحق إنكار لتوحيد الحق لأني عدم محض، إذن بعد أن كان منذ ثلاثين سنة يربي نفسه على الآداب الشرعية أو الرياضيات الصوفية حان وقت الوصول والمعرفة، وحان وقت الانقطاع عن التقيد بتلك الآدات، فصار بذلك مرآة نفسه يقنن لها السبيل الذي ينبغي أن تسلكه، وذلك بعد أن شب عن الطوق وبلغ رشده، ولم يعد أبا يزيد الذي كان معروفا بالأمس القريب، حيث صار عدما محضا بعد أن تم له الاتحاد الذي كان ينشده ويسير وراءه ويبتغيه، وصار هو والحق شيئا واحدا بل أصبح مجرد قوله أنا والحق إنكارا لتوحيده الذي هو الاتحاد، ومن هنا ساغ له أن يقول خرجت من بايزيديتي كما تخرج الحية من جلدها، ونظرت فإذا العاشق والمعشوق والعشق واحد.

 

لأن الكل واحد في عالم التوحيد، ويقول أبو يزيد رفعني الله فأقامني بين يديه وقال لي يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك، فقلت زيني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك، وارفعني إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا رأيناك فتكون أنت ذاك ولا أكون أنا هناك، وهذا بلا أدنى شك أسلوب فريد في ادعاء الاتحاد بالله والتقمص بلباس الألوهية، ولكن لنسمع التحليل من صوفي معاصر غارق في تصوفه وهو الدكتور عبد الرحمن بدوي حيث يقول لقد نصب الله الخلائق بين يدي أبي يزيد وها هي ذي تتحرق إلى رؤياه في هذا المقام، لكن لكي يمكنهم أن يروه كان عليه أن يطلب إلى الله أن يزين أبا يزيد بوحدانيته ويلبسه أنانيته، أي أنه يلتمس من الله أن يخلع عليه ثوب الألوهية، ويطلق لسانه عن نفسه فيتحدث بصيغة المتكلم ويتحد بالله نهائيا.

 

بحيث تكون الإشارة إليه وإلى الله واحدة، ولقد أجابه الله إلى طلبته هذه وزيادة فصرخ هذه الصرخة القوية الرهيبة لما أن خلع عليه الحق رداء الربوبية “سبحاني ما أعظم شأني” وأي شأن أعظم من أن يبلغ مرتبة الألوهية ويتحقق له الاتحاد التام بالحق، لقد كان هذا أقصى ما يسعى إليه فما أعظم شأنه إذن وقد بلغ الغاية وتحقق بالنهاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى