مقال

الدكروري يكتب عن رحلات فخر الدين العلمية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن رحلات فخر الدين العلمية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير عن الإمام فخر الدين الرازي، هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي الرازي، وأن الفخر الرازي حائز على ثناء المؤرخين والكتاب والنقاد القدماء والمحدثين خصوصا من أهل السنة والأشاعرة، الذين عبر عنهم ودافع عن أركان طريقتهم ومذهبهم، مستعينا بثقافته الموسوعية الواسعة التي قل أن يجدوا مثلها في كنانتهم ومن أجل ذلك بذلوا له التقدير والتعظيم، بقدر ما صبت عليه الفرق الأخرى جام غضبها وأطلقت عليه ما استطاعت من شائعات واتهامات، وتنقل الإمام فخر الدين في البلاد الأعجمية من الري إلى خراسان، إلى خيوة وبخاري، وعامة بلاد ما وراء النهر، ودخل البلاد العربية العراق والشام، وكان أكثر استقراره وتدريسه بخوارزم.

 

وهي مدينة خيوة شرقي بحيرة قزوين، ثم استوطن مدينة هرات من البلاد الأفغانية وكانت وفاته بها، واكتمل حظه من مواد الثقافة الإسلامية فنشأ محلقا في أفقها بجناحين من اللغة العربية واللغة الفارسية، إذ أجادهما، وتمرس بآدابهما، واكتملت ملكته البيانية فيهما، وقال ابن خلكان وله اليد البيضاء في الوعظ باللسانين العربي والفارسي، وكان تخرجه أول الأمر بعلوم الحكمة اليونانية أي الفلسفة اليونانية ثم ضم إليها علوم الكلام والأصول والفقه على مذهب الشافعي، وعلوم العربية، فأصبح علما مفردا في الجمع والمزج بين الفنون، وسهولة، هضم بعضها بعضا، وبذلك علت سمعته وعظم صيته وتمكن من سلوك طريقة في التأليف والبحث والعرض وانفرد بها، وأفاد منها كل فن من خصائص الفن الآخر.

 

فأصبحت طريقته المنهج الثقافي التعليمي الذي عم أقطار الإسلام، وسرى في لغات الثقافة الإسلامية كلها، على توالي العصور ومن هنالك أصبح معروفا بلقب الإمام إذا أطلق عند المتكلمين والأصوليين انصرف إليه، وعلى تلك الطريقة البديعة صدرت كتبه الكثيرة الجليلة المفننة في التفسير والكلام والأصول والفقه والنحو والأدب والفلسفة والطب والهندسة والفلك، فكان بدروسه ومواعظه ومناظراته وكتبه مظهرا لرقي الثقافة الإسلامية ومتانة أسسها، وحجة قاطعة على انتصار المبادئ الإسلامية في كل ناحية من نواحي المعرفة، اعتز الناس في حياته شرقا وغربا بعجيب عبقريته وشدت إليه الرحال، وتفنن في مديحه الشعراء واختص من بينهم بذلك شاعر الشام والرحالة شرف الدين بن عنين.

 

وقد كان من تلاميذه بمدرسة خوارزم، وقد جعل الإمام الرازي غايته من تلك المنزلة العلمية العليا، المتساوية الدرجات بين موارد الثقافة والمعرفة أن يضع القرآن العظيم موضع الدراسة والبحث والتحليل على منهج يرى تفوق الحكمة القرآنية على سائر الطرائق الفلسفية، وانفرادها بهداية العقول البشرية إلى غايات الحكمة، من طريق العصمة، ولقد كتب في وصيته التي أملاها عند احتضاره لقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال لله، ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات، وما ذاك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك الحقائق العميقة، والمناهج الخفية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى