مقال

الإمام الفقية تاجر الحرير

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الفقية تاجر الحرير
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر التاريخية الكثير والكثير عن الإمام أبي حنيفة النعمان، وقيل أنه كان من أكبر تجار الكوفة، وكان يتصدق من ربحه على الفقراء وطلبة العلم، وهذا ملمح دعوي رائع فالإنفاق على طلاب العلم يساعد على التعمق فيه، وتشجيعهم على الاستمرار، والصبر على مشقته، وله مع ذلك أجر الصدقة الجارية، والعلم الذي ينتفع به مع تواصل الأجيال في أداء تلك المهمة لنشر دين الله في الآفاق، ولم يكن أبو حنيفة في ذلك بدعا، فمعظم الأئمة والعلماء كانوا يحترفون ما يغنيهم عن التكسب بالدعوة، بل نسب كثير منهم إلى حرفته فهذا الإمام الخصاف كان يعيش على خصف النعال، ويؤلف للمهتدي بالله كتاب الخراج، والقفال كان صانع الأقفال، والجصاص يعمل بالجص.

والصفار كان يبيع الأواني النحاسية، والإمام حمزة بن حبيب الزيات كان يحمل الزيت على كتفه من حلوان وهى مدينة بالعراق إلى الكوفة، فلم يمنعه ولاؤه لبني تيم من أن يتصدر للفتيا وللتعليم، وأن يتبوأ تلك المكانة العالية في تاريخ الأمة، فما كان للعرب فضل بعروبتهم فقط، ولكن الفضل كل الفضـل في القيام بخدمة هذا الدين، ونشره، والإخلاص في ذلك، ولقد قال عمر بن الخطاب “لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا، لوليته مكاني” وكان ينادي على أسامة بن زيد كلما لقيه السلام عليك أيها الأمير، ويقول إني لا أدعوك إلا به لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات وأنت عليّ أمير، وهذا عكرمة مولى عبدالله بن عباس رضى الله عنهما ظل رقيقا إلى أن مات سيده، فأعتقه ابنه علي.

والإمام نافع كان مولى لابن عمر، وابن سيرين كان مولى لأنس بن مالك، وغيرهم كثير، فكان مثلا رائعا للورع والبعد عن الشبهات، وقد تواترت الأنباء عن ذلك في تجارته، يقول شريكه بعد أن انفضت الشركة معه ثلاثين عاما “جالست أنواع الناس من العلماء والفقهاء والزهاد والنساك وأهل الورع منهم، فلم أرى أحدا أجمع لهذه الخصال من أبي حنيفة، فكان إذا دخلت عليه شبهة من شيء، أخرج من قلبه ذلك، ولو بجميع ماله، فالشك عنده يزيل اليقين بخلاف القاعدة، كان لا يشتري بما يريد البائع، ولكن بقيمة السلعة في الواقع، وكان يمقت المماكسة، فيطبق الفقه على التجارة بالصدق، فربطت التجارة عنده بين دنيا الفقه ودنيا الناس، وجاء رجل يشتري ثوبا من خز.

فطلب من ابنه حماد أن يخرج له ثوبا، فنشره وهو يقول صلى الله على محمد، فقال أبوه، مه قد مدحته، ورفض بيعه بالرغم من إصرار المشتري على شرائه، وبعث بصفقة ثياب إلى شريكه، وأعلمه أن في ثوب منها عيبا، وطلب منه أن يبينه للمشتري، فباع شريكه الصفقة ونسي أن يبين عيب الثوب، واستوفى ثمن الجميع، مع أن منه ثوبا غير كامل، وكان الثمن ثلاثين ألفا، فأمر شريكه أن يبحث عن المشتري، ولكنه لم يهتدى إليه، فأبى أبو حنيفة إلا فصالا من شريكه، وتتاركا، وتصدق بثمن الصفقة كلها، وجاء رجل بثوب يبيعه، فقال بكم؟ قال بكذا، قال إنه يستحق أكثر من ذلك، ولم يزل يزيده حتى اشتراه بثمانية آلاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى