مقال

الحضن الدافئ لكل مواطن

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الحضن الدافئ لكل مواطن
بقلم / محمـــد الدكـــروري

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين فهو صلي الله عليه وسلم الذي كسفت الشمس يوم توفي ولده إبراهيم، فقالوا ” كُسفت الشمس لموت إبراهيم” لم يستغل رسول الإنسانية الأمين ضعف الناس فيتخذ من هذه الحادثة الاستثنائية دليلاً على صدق نبوته، فنبوته حق والحق قوي بذاته والطبيعة لا تتدخل في أحزان الإنسان فجاء البيان النبوي الصادق فيقول صلي الله عليه وسلم ” إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تكسفان لموت أحد” وهيهات أن يقبل الرسول صلي الله عليه وسلم لأصحابه أن يكون الجهل سببا للإيمان، ولم يشغله حزنه الكبير على وفاة طفله الصغير، عن تصحيح مفهوم خاطئ عند الناس، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أمينا في تبليغ الرسالة كلها.

فلم يخف من القرآن المنزل عليه آية ولو لم يكن نبيا لما وجدنا صلي الله عليه وسلم في القرآن سورة مريم وآل عمران، ولو لم يكن نبيا لكتم آيات كثيرة من مثل هذه الآية الكريمة فيقول تعالي ” وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك علي نساء العالمين ” وانظروا إلي قوله تعالي “على نساء العالمين” هكذا بهذا الإطلاق الذي رفع السيدة مريم إلى أعلى الآفاق أي صدق؟ وأية دلالة على مصدر هذا القرآن وصدق النبي الأمين ؟ ولو لم يكن رسولا من الله تعالي ما أظهر هذا القول في هذا المجال بحال، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آل محمد الطيبين المخلصين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم بإحسان إلي يوم الدين، أما بعد فإن الوطن يعتبر من المقدسات في ضمير جميع الأحياء، ومن يتنازل عن حقه في حب الوطن.

يكون كمن يتنازل عن نظر عينيه، لأن الوطن هو من يصنع لأبنائه وجودهم وهو الذي يجعل للإنسان قيمة، فحب الوطن ليس مجرد كلمات تقال أو شعارات ترفع، ولا هو حطابات رنانة تشعل الروح الحماسية ويهتف بها الشعب، بل هو فعل قبل القول وترجمة على أرض الواقع، فحب الوطن يكون بالدفاع عنه لأخر رمق، والوقوف إلى جانب قضاياه في الحرب والسلم، ودحر كل غاصب يحاول أن يعتدي عليه، كما أن حب الوطن يكون بأن نحافظ على جميع مقدراته من السلب والنهب، وأن نحمي تاريخه الماضي وأن نحرس حاضره وأن نرعى مستقبله ومستقبل أبنائه، فالوطن لا يريد من أبناء شعبه أن يكتبوا اسمه ويعلقوه تميمة في صدورهم، بل يُريد منهم أن يبقى الأولوية في حياتهم في كل شيء، وأن يكون العطاء له غير محدود أبدا.

ومهما قست الظروف يبقى الوطن حنونا وادعا، حتى أن القلب لا يشعر بالراحة والسكينة إلا فيه، فهو شيء متعلق بالروح قبل الجسد، وحبه يسري في العروق مع الدماء، ويكون حب الوطن بأن يجد أبناءه ويجتهدوا ويصنعوا لنفسهم مكانة بين باقي الشعوب، لأن الوطن مثل الأم الحنون التي تفتخر بإنجاز أبنائها، وكلما أعطى الأبناء أكثر، زادهم الوطن أكثر فأكثر، فهو في الولادة يمنحك اسمه وانتماءه وعاطفته، وفي الحياة يمنحك الأهل والبيت والسكن والتعليم، وفي الموت يحتوي أبناءه بترابه ويضمهم إليه إلى أن يشاء الله، لذلك يلتصق الوطن بكل ما يخص أبناءه من المهد إلى اللحد، ولطالما تغنى الشعراء والأدباء بالوطن، ولطالما قيلت فيه أعذب القصائد والحكم والتوصيات، لكن مهما قيل فيه، تبقى الأبجدية مقصرة في وصفه.

فلا أحد أبدا يستطيع أن يصف جنته ويوفيها حقها، لذلك فليكن الوطن دوما في القلب والوجدان، فإن الوطن هو بضع أحرف تكون كلمة صغيرة في حجمها، ولكنها كبيرة في المعنى فالوطن هو بمثابة الأم والأسرة، وهو الحضن الدافئ لكل مواطن على أرضه، وهو المكان الذي نترعرع على أرضه، ونأكل من ثماره ومن خيراته، فمهما ابتعدنا عنه يبقى في قلوبنا دائما، هو الأرض التي نبت فيها الإنسان وترعرع، والسماء التي أظلته، والهواء الذي يتنفسه، والماء الذي يشربه، والخير الذي يأكل منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى