مقال

مرحلة التمحيص

جريدة الأضواء

مرحلة التمحيص
محمود سعيد برغش
المسلم في حالة اختبارات يومية صعبة، وكلها يمحص فيها الإنسان، ولا بد أن يبتلى، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}[العنكبوت: 2-3].
ليس هناك إيمان إلا إذا كان هناك ابتلاءات، عن سعد بن أبي وقاص قال: “يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثلُ، يُبتلَى الرَّجلُ على حسْبِ دِينِه، فإن كان دِينُه صُلبًا اشتدَّ بلاؤُه، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ ابتلاه اللهُ على حسْبِ دِينِه، فما يبرَحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يمشيَ على الأرضِ، وما عليه خطيئةٌ”( ).
فالمسلم يجب أن لا يضجر ولا يمل، ولا يتأفف من طول البلاء، وذلك لحكمة أخفاها الله عنه، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } [الأنبياء: 83 – 84]، ظلّ ابتلاء سيدنا أيوب ثمان سنوات، وكان من الممكن أن يكشف الله عنه الابتلاء بمجرد الدعاء، لكنه لم يكف عن الدعاء خلال فترة المرض، والذي وصل إلى نخاع العظام؛ لأن الله تعالى يحب أن يسمع صوته وهو يقول: “يا رب”.
يقول تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } [الأنبياء: 83 – 84]، ولكن الاستجابة أخرها الله تعالى؛ لكي يعلم الناس أن البلاء مقدر، ثم يأتي الفرج في الوقت الذي أراده الله تعالى.
ظلّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم محاصرا في شعب مكة ثلاث سنوات وأقامت قريش حواجز عازلة بينهم وبينه، وظل هذا الحصار الاقتصادي والنفسي ولم يكن هناك أشجار، ولا ماء، وكانوا يأكلون أوراق الشجر الجافة القديمة، حتى تقرحت أشداقهم.
وقد أتى الفرج بعد أن أكلت الأرضة الصحيفة المعلقة بالكعبة كلها إلا جملة: “باسمك اللهمّ”، وكانت ثلاث سنوات كافية لتربية جيل مؤهّل لقيادة الأمة، وهم الذي خاضوا بدرا والخندق، وفتحوا البلاد، وكانوا يحتاجون إلى هذه التربية الإيمانية لكي يمحصوا بالبلاء، قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)}[الأنعام: 34-35]، فلا تكونن من الجاهلين، لأن تصاريف الأمور عند الله تعالى.
صفات العجلة في الطلب هي صفات المنافقين، فقد لبث نبي الله نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، تبدلت عليه ثلاثة أجيال، كانت توصي بعضها بعضا بتكذيب نوح عليه السلام، والله له حكمة في هذا مع سيدنا نوح عليه السلام وقومه، والطوفان الذي جاء في لحظة يأس فيها نوح من قومه، فجاء الفرج، قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)} [القمر: 9-15].
سيدنا نوح عليه السلام كان يعلم أنه طالما كان مكلفا برسالة من الله تعالى فلا بد له أن يؤديها حتى لو خاطب الجبال، فلم يكف عن دعوته، قال تعالى: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)}[نوح: 7]، فصعد على الجبال، وخاطبهم بشتى الطرق والسبل لعلهم يستجيبوا، قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 10 – 13].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] ( ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى