مقال

شدة تقلب قلوب العباد

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن شدة تقلب قلوب العباد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 26 ديسمبر

الحمد لله رب الأرض ورب السماء، خلق آدم وعلمه الأسماء، وأسجد له ملائكتة وأسكنه الجنة دار البقاء، وحذره من الشيطان ألد الأعداء، ثم أنفذ فيه ما سبق به القضاء، فاهبطه إلى دار الابتلاء، وجعل الدنيا لذريته دار عمل لا دار جزاء، وتجلت رحمته بهم فتوالت الرسل والأنبياء، وما منهم أحد إلا وجاء معه بفرقان وضياء، ثم ختمت الرسالات بالشريعة الغراء، ونزل القرآن لما فى الصدور شفاء، فأضأت به قلوب العارفين والأتقياء، وترطبت بآياته ألسنة الذاكرين والأولياء، ونهل من فيض نوره العلماء و الحكماء، نحمده تبارك وتعالى على النعماء و السراء، ونستعينه علي البأساء والضراء، ونعوذ بنور وجهه الكريم من جهد البلاء ودرك الشقاء وعضال الداء وشماتة الأعداء، ونسأله عيش السعداء وموت الشهداء والفوز فى القضاء.

وأن يسلك بنا طريق الأولياء الأصفياء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ليس له أنداد ولا أشباه ولا شركاء، خلق السموات والأرض فى ستة أيام وكان عرشه علي الماء، خلق الخلق فمنهم السعداء ومنهم الأشقياء، محيط بخلقه فليس لهارب منه نجاء، قادر مقتدر فكل الممكنات في قدرتة سواء، سميع بصير يرى النملة السوداء فى الليلة الظلماء ويسمع دبيبها علي الصخرة الصماء، ويسمع دبيبها علي الصخرة الصماء، أجرى الأمور بحكمته وقسم الأرزاق وفق مشيئته بغير عناء، لايشغله شأن عن شأن فكل شىء خلق بقدر وكل أمر جرى بقضاء، وأشهد أن سيدنا محمدا خاتم الرسل والأنبياء، وإمام المجاهدين والأتقياء، والشهيد يوم القيامة علي الشهداء، والمعصوم صلى الله عليه وسلم فما أخطأ قـط وما أساء.

دعا أصحابه إلي الهدي فلبوا النداء، فإذا ذاته رحمة لهم ونور وإذا سلوكه إشراق وضياء، هو القدوة النيرة فى الصبر على البلاء والعمل لدار البقاء، وهو الأسوة المشرقة فى الزهد فـى دار الفناء، فكم مرت شهور ولا طعام له ولأهل بيته إلا التمر والماء، أشتهر من قبل البعثة بالصدق فلم يعرف عنه كذب ولا نفاق ولا رياء، ولم يؤثر عنه غدر بل إخلاص وأمانة ووفاء، صلى الله عليه قديما وكذا الملائكة فى السماء، وصلى هو فى المسجد الأقصى بالرسل والأنبياء، سبح الحصي في كفه بخير الأسماء، وحين ظمأ أصحابه نبع من بين أصابعة الماء، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته الأجلاء، وعلى السائرين على دربه والداعين بدعوته إلى يوم اللقاء، ما تعاقب الصبح والمساء ومادام فى الكون ظلمة وضياء.

اعلموا يرحمكم الله أن العظمة الإنسانية والقوة الإيمانية لا تُعرف في الرخاء قدر ما تعرف في الشدة وان النفوس الكبار هي التي تملك أمرها عند بروز التحدي وان الله يحب المؤمن القوي، فالخيرية موجودة وأصل الخير فيهما موجود، لكن التفاوت النسبي الإضافي عند المؤمن القوي الذي يحبه الله عز وجل، مؤمن قوي في دعوته، قوي في تأثيره، قوي في إرادته، أحب إلى الله عز وجل من المؤمن الضعيف، وإن من تاقوة هو الثبات علي الحق في زمن الشدة والفتن، حيث إن الثبات في زمن الرخاء ليس كالثبات في زمن الفتن فالأول سهل والثاني كالقابض على جمر، وإن البقاء على الطاعة في كل حين أو التهاون عنها كرات ومرات ليعودان في المرء بإذن الله إلى القلب، وهو أكثر الجوارح تقلبا في الأحوال.

حتى قال فيه المصطفى صلي الله عليه وسلم “إنما سمّي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا على بطن ” رواه أحمد، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم مبينا شدة تقلب قلوب العباد “لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا اجتمعت غليانا” رواه أحمد، وقد قيل وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى