مقال

جبلة بن الأيهم مع الفاروق

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن جبلة بن الأيهم مع الفاروق
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الجمعة الموافق 29 ديسمبر

الحمد لله مُعزّ من أطاعه واتقاه ومُذل من خالف أمره وعصاه وفّق أهل طاعته للعمل بما يرضاه، وحقق على أهل معصيته ما قدره عليهم وقضاه، أحمده سبحانه على حلو نعمه ومر بلواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ونبيه ومصطفاه فطوبى لمن والاه وتولاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده، وكان هواهم تبعا لهداه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد قيل أنه كان من السادة الملوك رجل يسمي جبلة بن الأيهم وهو ملكا من ملوك غسان وقد دخل إلى قلبه الإيمان، فأسلم ثم كتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذنه في القدوم عليه، فسرّ الفاروق عمر بن الخطاب والمسلمون لذلك سرورا عظيما.

وكتب إليه الفاروق عمر أن أقدم إلينا ولك مالنا وعليك ما علينا، فأقبل جبلة بن الأيهم في خمسمائة فارس من قومه، فلما دنا من المدينة لبس ثيابا منسوجة بالذهب ووضع على رأسه تاجا مرصعا بالجوهر، وألبس جنوده ثيابا فاخرة، ثم دخل المدينة، فلم يبقي أحد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان، فلما دخل على الفاروق عمر رحب به وأدنى مجلسه، فلما دخل موسم الحج، حج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وخرج معه جبلة، فبينما هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل فقير من بني فزارة، فإلتفت إليه جبلة بن الأيهم مغضبا فلطمه في وجهه فهشم أنفه، فغضب الفزاري، واشتكاه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فبعث إليه فقال ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف فهشمت أنفه، فقال إنه وطئ إزاري ؟

ولولا حرمة البيت لضربت عنقه، فقال له عمر أما الآن فقد أقررت فإما أن ترضيه وإلا اقتص منك ولطمك على وجهك، قال يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة، قال عمر يا جبلة، إن الإسلام قد ساوى بينك وبينه، فما تفضله بشيء إلا بالتقوى، قال جبلة إذن أتنصر، قال عمر من بدل دينه فاقتلوه، فإن تنصرت ضربت عنقك، فقال أخّرني إلى غدا يا أمير المؤمنين، قال لك ذلك فلما كان الليل خرج جبلة وأصحابه من مكة وسار إلى القسطنطينية فتنصّر، فلما مضى عليه زمان هناك، ذهبت اللذات وبقيت الحسرات فتذكر أيام إسلامه ولذة صلاته وصيامه، فندم على ترك الدين والشرك برب العالمين، فجعل يبكي ويقول تنصرت الأشراف من عار لطمة، وما كان فيها لو صبرت لها ضرر، فياليت أمي لم تلدني.

وليتني رجعت إلى القول الذي قال لي عمر، ثم ما زال على نصرانيته حتى مات، فمات على الكفر لأنه تكبر عن الذلة لشرع رب العالمين، وقيل أنه مر ملك على عالم من العلماء، فلم يقف له العالم قال ويحك ألا تدري من أنا؟ أي أتدري من أنا الذي جئت ولم تقم لي؟ قال أعرفك، قال من أنا؟ قال أنت أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين هذا وهذا تحمل في بطنك العذرة، فقال الملك إي والله ما عرفني إلا هذا، فيقول رسول الله صلي الله عليه وسلم “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” وقد سئل الفضيل رحمه الله عن التواضع ما هو؟ فقال أن تخضع للحق وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته ولو سمعته من أجهل الناس قبلته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى