مقال

الأصل في الإيمان

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الأصل في الإيمان
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 30 يناير 2024

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي جمع الله سبحانه وتعالى فيه صلى الله عليه وسلم صفات الجمال والكمال البشري وتألقت روحه الطاهرة بعظيم الشمائل والخصال وكريم الصفات والأفعال حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد وتملكت هيبته العدو والصديق وقد صور لنا هذه المشاعر الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه أبلغ تصوير حينما قال وأجمل منك لم تري قط عيني، وأكمل منك لم تلد النساء، خُلقت مبرّأ من كل عيب، كأنك قد خلقت كما تشاء، فمن سمات الكمال التي تحلى بها صلى الله عليه وسلم خُلق الرحمة والرأفة بالغير، كيف لا ؟

وهو المبعوث رحمة للعالمين فقد وهبه الله قلبا رحيما يرقّ للضعيف ويحنّ على المسكين ويعطف على الخلق أجمعين حتى صارت الرحمة له سجيّة فشملت الصغير والكبير والقريب والبعيد والمؤمن والكافر فنال صلى الله عليه وسلم بذلك رحمة الله تعالى فالراحمون يرحمهم الرحمن، وقد تجلت رحمته صلى الله عليه وسلم في عدد من المظاهر والمواقف ومن تلك المواقف هو رحمته بالأطفال، حيث كان صلى الله عليه وسلم يعطف على الأطفال ويرق لهم حتى كان كالوالد لهم يقبّلهم ويضمّهم ويلاعبهم ويحنّكهم بالتمر كما فعل بعبدالله بن الزبير عند ولادته، وجاءه أعرابي فرآه يُقبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما فتعجب الأعرابي وقال ” تقبلون صبيانكم ؟ فما نقبلهم ” فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا.

“أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟” فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين، أما بعد واعلموا يرحمكم الله إن الأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق وأما قوله عز وجل ” إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا” وقيل أن الأمانة هنا النية التي يعتقدها الإنسان فيما يظهره باللسان من الإيمان، ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر، لأن الله عز وجل ائتمنه عليها ولم يظهر عليها أحدا من خلقه، فمن أضمر التوحيد والتصديق مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة.

ومن أضمر التكذيب، وهو مصدق باللسان في الظاهر فقد حمل الأمانة ولم يؤدها، وإن لأكل الحرام في زماننا مظاهر كثيرة منها التحايل في الخصومة أمام القضاة، كما هو شأن بعض من يحبُكون التزوير والتلبيس، والإدلاء بشهداء الزور ظلما وبهتانا، فقال تعالى ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعملون” وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه “هذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وقد علم أنه آثم، آكل حرام” وقال قتادة ” واعلموا أن من قضي له بباطل، أن خصومته لم تنقض، حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضى على المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا”

ومن ذلك أكل مال اليتيم، الذي شنع فيه ديننا على أصحابه أيما تشنيع، بأسلوب تقشعر منه أبدان الذين يعقلون، فيقول تعالى فى كتابه الكريم ” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا” وقال السدى “إذا قام الرجل يأكل مال اليتيم ظلما، يُبعث يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه، ومن مسامعه، ومن أذنيه، وأنفه، وعينيه، يعرفه من رآه يأكل مال اليتيم” وقال صلى الله عليه وسلم “اجتنبوا السبع الموبقات” وذكر منها “أكل مال اليتيم” رواه البخارى ومسلم، ومن ذلك الاتجار في المحرمات، كالمخدرات، والسلع المغشوشة، والتعاملات الربوية وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى