مقال

الدكروري يكتب عن موقعة عين جالوت ” جزء 9″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن موقعة عين جالوت ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ثم بعد وقت قليل من سقوط حصن عكا حررت صيدا وصور وبيروت وجبيل وطرطوس واللاذقية، وبذلك انتهى وجود الإمارات الصليبية بشكل تام من أرض الشام، وكانت بداية تأثر التتار بالإسلام من خلال أحد زعماء القبيلة الذهبية التي تعد أكبر قبائل التتار، وهو بركة خان ابن عم هولاكو قائد التتار في الغرب، كان إسلام بركة عام ستمائة وخمسين من الهجرة، وتولى زعامة القبيلة الذهبية في عام ستمائة واثنين وخمسين من الهجرة، حيث كانت القبيلة شبه مستقلة عن دولة التتار وتحكم المنطقة التي تقع شمال بحر قزوين والمعروفة باسم القبجاق، وبإسلامه دخلت أعداد كبيرة من القبيلة الذهبية في دين الإسلام، ولما وصلت القبيلة الذهبية نبأ ما حدث في معركة عين جالوت، تزايد أعداد المسلمين في القبيلة حتى أصبحت كلها تقريبا مسلمة، وكان مما جرى في أمرهم أن بركة خان زعيم القبيلة الذهبية تحالف مع الظاهر بيبرس ضد هولاكو، وكانت نهاية سيف الدين قطز بعد معركة عين جالوت بخمسين يوما فقط.

 

حيث اتفق المؤرخون على أن قطز قتل وهو في طريق عودته من دمشق إلى القاهرة في منطقة تسمى الصالحية بفلسطين، وكان مقتله على يد القائد المملوكي الظاهر بيبرس، واختلف المؤرخون في سبب إقدام بيبرس على قتل السلطان قطز، فابن خلدون في مقدمته يروي أن المماليك البحرية بقيادة بيبرس كانت تتحين الفرصة لقتل قطز لأخذ الثأر لمقتل أميرهم فارس الدين أقطاي، الذي تولى قطز قتله في عهد السلطان عز الدين أيبك، فلما غادر قطز دمشق وقرب من مصر، ذهب في بعض أيامه يتصيد وسارت الرواحل على الطريق فاتبعوه المماليك وعلاه بيبرس بالسيف فخر صريعا، في حين يقول جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء أن قطز وعد بيبرس بإعطائه إمارة حلب ثم رجع قطز عن وعده، فتأثر بيبرس بذلك، ولما رجع قطز إلى مصر كان بيبرس قد أضمر الشر وأسر ذلك في نفسه، ثم اتفق بيبرس وجماعة من الأمراء على قتل المظفر فقتلوه في الطريق.

 

أما المؤرخ قاسم عبده قاسم فقال أن بيبرس ظن أنه أحق بالعرش من قطز، لا سيما وأنه صاحب دور كبير في هزيمة الحملة الصليبية السابعة بقيادة الملك لويس التاسع قبل عشر سنوات في المنصورة، كما أنه لعب دورا كبيرا في هزيمة المغول في عين جالوت، وأنه كان أول من ألحق بهم هزيمة عندما دمر طليعة الجيش المغولي، ثم طارد فلوله المنسحبة حتى أعالي بلاد الشام، لمنصور سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي أحد أشهر سلاطين المماليك البحرية ورأس أسرة حكمت مصر والمشرق العربي مايزيد على قرن من الزمان، وكان من رجال الملك الصالح أيوب وهو الصالح أيوب زوج شجرة الدر، وليس والد صلاح الدين الأيوبي، وأبلى بلاء حسنا في معركة المنصورة، وعلا شأنه بعد ذلك، فكان من كبار الأمراء أصحاب النفوذ في دولة بيبرس، وبويع له بالسلطنة في الحادي عشر من رجب سنة ستمائة وثماني وسبعين من الهجرة، خلفا للملك الصغير العادل بدر الدين سُلامش.

 

وتتحدث أغلب مصادر هذا العصر عن لقب الألفي وهو لقب أطلق على السلطان المنصور قلاوون وذلك نسبة إلى قيمته، فقد اشتراه أستاذه الأمين علاء الدين بألف دينار وقد ارتفعت قيمته لحسن سيرته، وبعد أن تم إجبار الملك السعيد على خلع نفسه ورحيله إلى الكرك عرض الأمراء السلطنة على الأمير سيف الدين قلاوون الألفى إلا أن قلاوون الذي كان يدرك قوة الأمراء والمماليك الظاهرية رفض السلطنة قائلا للأمراء ” أنا ما خلعت الملك السعيد طمعا في السلطنة، والأولى ألا يخرج الأمر عن ذرية الملك الظاهر ” فأستدعى سلامش الذي كان طفلا في السابعة من عمره إلى قلعة الجبل وتم تنصيبه سلطانا بلقب الملك العادل بدر الدين ومعه قاضى القضاة برهان الدين السنجارى وزيرا وعز الدين أيبك الأفرم نائبا للسلطنة وقلاوون الألفى أتابكا ومدبرا للدولة وكتب إلى الشام بما تم فحلف الناس بدمشق كما وقع الحلف بمصر أصبح قلاوون هو الحاكم الفعلى للبلاد.

 

وأمر بأن يخطب بإسمة واسم سُلامش معا في المساجد وبأن يُضرب اسمه مع اسمه على السكة كما شرع في القبض على الأمراء الظاهرية وإيداعهم السجون بينما راح يستميل المماليك الصالحية عن طريق منحهم الاقطاعات والوظائف والهبات بهدف سيطرته الكاملة على البلاد تمهيدا لاعتلاءه تخت السلطنة ولما أحس قلاوون أن البلاد قد صارت في قبضته بالكامل استدعى الأمراء والقضاة والأعيان بقلعة الجبل وقال لهم ” قد علمتم أن المملكة لا تقوم الا برجل كامل” فوافقه المجتمعون وتم خلع سُلامش بعد أن ظل سلطانا اسميا لمدة مائة يوم وتم تنصيب قلاوون سلطانا، وبدأ السلطان قلاوون ولايته بمحاربة الخارجين عليه كالأمير سنقر الأشقر، حيث بعث إليه حيث هو بالشام جيشا بقيادة الأمير سنجر، وظلا في سجال من القتال حتى توالت الأنباء بقرب عودة التتار فكتب السلطان المنصور إلى سنقر “إن التتار قد أقبلوا، والمصلحة أن نتفق عليهم، لئلا يهلك المسلمون بيننا وبينهم، وإذا ملكوا البلاد لم يدعوا منا أحدا” فكتب إليه سنقر بالسمع والطاعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى