مقال

دروس عظيمة من غزوة أحد “الجزء الثالث” إعداد محمـــد الدكـــرورى

دروس عظيمة من غزوة أحد “الجزء الثالث”
إعداد محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع دروس عظيمه من يوم أحد، وقد توقفنا عن إعتراض بعض الناس على قرار القتال خارج المدينة، وكاد هذا الموقف أن يؤثر على المؤمنين من بني سلمة وبني حارثة فيتبعوهم، ولكن الله عصمهم بإيمانهم، وأنزل فيهم قوله تعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليّهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون” وفي يوم السبت وصل الجيش إلى جبل أحد وعسكر هناك، واختار النبي صلى الله عليه وسلم أرض المعركة، وقام بتقسيم أفراد الجيش إلى ثلاث كتائب، كتيبة المهاجرين بقيادة مصعب بن عمير رضي الله عنه، وكتيبة الأوس بقيادة أسيد بن حضير رضي الله عنه، وكتيبة الخزرج يحمل لواءها الحُباب بن المنذر رضي الله عنه، وردّ النبي صلى الله عليه وسلم صغار السن ومنعهم من المشاركة، وبلغوا أربعة عشر غلاما كما يذكر علماء السيرة، ولم يستثن من الصغار سوى رافع بن خديج رضي الله عنه لبراعته في الرمي، وسمرة بن جندب رضي الله عنه لقوته الجسدية.

ثم عرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فانتخب منهم خمسين راميا، وأمّر عليهم عبدالله بن جُبير رضي الله، وجعلهم على جبل يُقال له عينين، يقابل جبل أحد، وقال لهم صلى الله عليه وسلم ” إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وانضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا، إنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم” ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصفوف فسوّاها ، ووضع أشداء المؤمنين في مقدمتهم ، وقال صلى الله عليه وسلم “لا يُقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال” وفي هذه الأثناء حاول أبو سفيان أن يُحدث شرخا في صفوف المؤمنين، فعمد إلى الأنصار قائلا ” خلوا بيننا وبين ابن عمّنا، فننصرف عنكم، ولا حاجة لنا بقتالكم ” فقبّحوا كلامه وردوا عليه بما يكره، فجاء رجل يُقال له أبو عامر الراهب، من أهل المدينة، فأراد أن يثنيهم عن حرب قريش فقال” يا معشر الأوس، أنا أبو عامر فقالوا له فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق، فلما سمعهم قال” لقد أصاب قومي بعدى شر ”

وبدأت المعركة بمبارزة فريدة تبعها التحام بين الصفوف، واشتد القتال، وحمي الوطيس، وكان شعار المسلمين يومئذ أمِت أمِت، وأخذ النبى صلى الله عليه وسلم سيفا له وقال ” من يأخذ هذا السيف ؟” فبسطوا أيديهم يريدون أخذه، فقال “من يأخذه بحقه ؟” فأحجم القوم، فقال أبو دجانة رضي الله عنه أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فما حقه ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم له “أن لا تقتل به مسلما، ولا تفرّ به عن كافر” فدفعه إليه، فربط على عينيه بعصابة حمراء ويجعل يمشي بين الصفين مختالا في مشيته، قائلا ” أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل، ألا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” إنها مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع” ويقول رواة السيرة ” فأخذ السيف فجعل يقتل به المشركين حتى انحنى ” وبدأت ملامح النصر تظهر من خلال المواقف البطولية التي أظهرها المسلمون واستبسالهم في القتال، ومع تقهقر قريش وفرارهم أول الأمر.

ظن الرماة انتهاء المعركة ورأوا ما خلفته من غنائم كثيرة فتحركت نفوسهم طمعا في نيل نصيبهم منها، فتنادوا قائلين” الغنيمةَ أيها القوم، الغنيمةَ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ فقال أميرهم عبد الله بن جبير، أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يلتفتوا إليه وقالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فغادروا أماكنهم متجهين صوب الوادي، ووجد خالد بن الوليد في ذلك فرصة سانحة كي يدير دفة المعركة لصالح المشركين، وبالفعل انطلق مع مجموعة من الفرسان ليلتفوا حول المسلمين ويحيطوا بهم من كلا الطرفين، ففوجئ المسلمون بمحاصرتهم، واستحر القتل فيهم، وفرّ منهم من فرّ، وتساقط الكثير منهم جرحى، وفي هذه الأثناء انقطع الاتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في المشركين رجل يقال له ابن قمئة، عَمد إلى مصعب بن عمير رضي الله عنه فأجهز عليه، وشبه مصعبا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فجعل الرجل يصيح” قد قتلت محمدا” وسرت هذه الإشاعة بين الناس سريعا، فتفرق المسلمون.

وقعد بعضهم عن القتال وقد أذهلتهم المفاجأة، في حين استطاع الآخرون أن يثوبوا إلى رشدهم، ويطلبوا الموت على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم أنس بن النضر رضي الله عنه، والذي لقي الله وفي جسده بضع وثمانون ما بين ضربة سيف، أو طعنة رمح، أو رمية سهم، حتى إن أخته لم تتعرف عليه إلا بعلامة كانت بإبهامه، وأنزل الله فيه وفي أمثاله قوله تعالى فى سورة الأحزاب ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا” وبينما كان المسلمون في محنتهم تلك، كان النبي صلى الله عليه وسلم يواجه الموت، فقد خلص إليه المشركون فكسروا أنفه وسِنه، وشجّوا وجهه الشريف حتى سالت منه الدماء، فجعل يمسح الدم عنه ويقول النبى صلى الله عليه وسلم ” كيف يفلح قوم شجّوا نبيّهم ؟” وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمور لن تعود إلى نصابها إلا بكسر هذا الطوق المحكم الذي ضربه المشركون، فصعد إلى الجبل ومعه ثلة من خيرة أصحابه، واستبسلوا في الدفاع عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى