مقال

معركة اليمامة “جزء 2”

معركة اليمامة “جزء 2”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع معركة اليمامة، وإذا درست خريطة توزيع تحركات هذه الجيوش، فستدرك بوضوح مدى دقة الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومهارته، وعبقريته، وعلمه، وتوفيقه، فقد وُزعت هذه الجيوش على الجزيرة توزيعا دقيقا، بحيث تستطيع تمشيط كل رقعة منها تمشيطا كاملا، فلا تبقى قبيلة، أو منطقة، إلا وفيها من جيوش المسلمين، وقد اختار أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقيادة كل جيش رجلا من عمالقة الحرب في الإسلام، ووجهه إلى وجهة معينة، وذكر له تفصيلا أنه لو تم له النصر فإلى أين سيتجه بعد ذلك، فالجيوش تتجمع أحيانا، وتتفرق أحيانا أخرى، وذلك لسد كل الثغرات، وكانت قيادة الجيوش الإسلامية مقسمة كالتالي الجيش الأول بقيادة خالد بن الوليد، والجيش الثاني بقيادة عكرمة بن أبي جهل.

والجيش الثالث بقيادة شرحبيل بن حسنة، والجيش الرابع بقيادة أسامة بن زيد، وتعد معركة اليمامة واحدة من حروب الردة وواحدة من أشرس المعارك التي خاضها المسلمون في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهي معركة دارت بين المسلمين وبني حنيفة الذين ظهر منهم مسيلمة الكذاب، ومسيلمة هذا رجل من بني حنيفة ادعى النبوّة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وادعى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أشركه معه في أمر الرسالة، وقد شهد له بعض أتباعه بأنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشركه معه في الدعوة والرسالة، وقد ارتد هو ومن معه عن الإسلام، وقد وصل الأمر بهم أن كتبوا كلاما ادعوا أنه وحي من الله سبحانه وتعالى، ينزله على مسيلمة الكذاب، وكل هذه الظروف.

أدت إلى زيادة عدد أنصاره أتباعه ممن ارتدوا معه، ولكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، كان حازما، جسد كل أفكار وأقوال وأفعال القائد العظيم، والخليفة الإسلامي الغيور على هذا الدين، فقرر قتالهم وردعهم بالسيف، ولم يتواني عن إراقة الدم فداء للإسلام وحفظا للمسلمين، فبعث لهم جيشا كبيرا اصطدم مع جيشهم في معركة اليمامة أو معركة عقرباء كما تسمى أيضا، وكان هذا في السنة الحادية عشرة للهجرة، ولقد أجمع المسلمون وجمهور العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم على أن عقوبة المرتد هي القتل، ومن يحكم بذلك هو القضاء الشرعي، بعد أن تتوافر في المرتد شروط الردة، ولا ينفذ الحكم إلا ولي الأمر، ويستتاب المرتد ثلاثة أيام قبل تنفيذ الحكم، ويجب على ولي الأمر أن يحاول إقناعه وجداله بالتي هي أحسن، عسى أن يعود إلى الإسلام.

وقد تؤجل عقوبة المرتد رجاء توبته، وكانت اليمامة أحد مسارح الردة، فظهر فيها مُسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، حيث ادعى أن الله تعالى أشركه بالنبوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بنو حنيفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطلبون البيعة، غير أن مُسيلمة الكذاب لم يُبايع، وقال بأنه يُريد للرسول بأن يُشركه معه في النبوة كما أشرك موسى أخاه هارون، وعند سماع الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك لم يقبله، فعاد مُسيلمة إلى قومه، وادعى بموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم، على طلبه، ثم أرسل رسالة إلى الرسول يقول فيها من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ألا إني أوتيت الأمر معك فلك نصف الأرض ولي نصفها ولكن قريشا قوم يظلمون” فرد النبي صلى الله عليه وسلم.

” من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين” وبعد ذلك أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى مُسيلمة رجل لقتله، وهو الرجال بن عنفوة، ولكن وصل خبر وفاة الرسول إليهم، وشهد بن عنفوة مع مُسيلمة بإشراك الرسول له في الأمر، فكان ذلك سببا من أسباب تقويته، وتقع منطقة اليمامة في شمال المدينة مباشرة على بُعد أميال قليلة من المدينة، وهى قبائل عبس، وذبيان، وهذه القبائل بمجرد خروج جيش أسامة بن زيد إلى منطقة الشمال، ولقربها من المدينة، عرفت أنها بدون جيش يحميها، وأن هذا الجيش هو كل طاقة المدينة، فخرجت جيوش عبس وذبيان تترصد للمدينة، وهجموا بالفعل على المدينة، وعلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه أن الجيوش تترصد المدينة لتهجم عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى