مقال

الدكروري يكتب عن الفاروق عمر بن الخطاب “جزء 5”

الدكروري يكتب عن الفاروق عمر بن الخطاب “جزء 5”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع الفاروق عمر بن الخطاب، وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال “لا تعجلوا على الذي قتلني، فقيل إنه قتل نفسه، فاسترجع عمر، فقيل له إنه أبو لؤلؤة، فقال الله أكبر” وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه للصلاة بالناس، فمن يلي عمر، فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال عمر يا ابن عباس، انظر من قتلني، فجال ساعة، ثم جاء، فقال غلام المغيرة، قال الصّنع ويشير إلى غلام المغيرة بن شعبة، أبو لؤلؤة فيروز، قال نعم، قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا، الحمد لله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك، يريد العباس وابنه عبد الله.

 

تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة، أى كفار العجم بالمدينه، وكان العباس أكثرهم رقيقا، فقال عبد الله إن شئت، فعلت، أي إن شئت قَتلنا، قال كذبت، أي أخطأت، بعدما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حجّكم، فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فأتي بنبيذ والمراد بالنبيذ المذكور، هو تمرة نبذت في ماء، أي نقعت فيه، وكانوا يفعلون ذلك، لاستعذاب الماء، فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جُرحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه، وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه، وقال يا عبد الله بن عمر انظر، ما عليّ من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه، قال إن وفى له مال آل عمر، فأده من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم.

 

فأدي عني هذا المال، وانطلق إلى السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقل، يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يبقى مع صاحبيه، فسلم عبد الله بن عمر، واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت كنت أريده لنفسي، ولأوثرنه به اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال ارفعوني، فأسنده رجل إليه فقال ما لديك؟ قال الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت، قال الحمد لله، ما كان من شيء أهم إليّ من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملني ثم سلم فقل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذن لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين، قال فلما قبض خرجنا به، فانطلقنا نمشي.

 

فسلم عبد الله بن عمر، قال يستأذن عمر بن الخطاب، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها أدخلوه، فأدخل، فوضع هنالك مع صاحبيه، وكان عمر رضى الله عنه، كان ابن عباس يُثني عليه وهو مسند له، فلما انتهى من ثنائه قال عمر ألصق خدّي بالأرض يا عبدالله بن عمر، فقال ابن عباس فوضعته من فخذى على ساقي، فقال ألصق خدّي بالأرض، فوضعته حتى وضع لحيته وخده بالأرض، فقال ويلك عمر إن لم يغفر الله لك، فلما مات الفاروق عمررضي الله عنه قال الامام علي رضى الله عنه وأرضاه “ما على الأرض أحدا ألقى الله بصحيفته أحب إليّ من هذا المسجّى بينكم، وصلى عليه صُهيب الرومي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودُفن بجانب صاحبيه، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

 

وإن الإمام العادل لا يوجد أي مسوّغ لقتله، لأن الناس مؤمنهم وكافرهم يرضون بالعدل، ويحبون الحاكم العادل، ويخضعون له، وعدل عمر لا يخفى على أحد، حتى شهد له به أعداؤه، ولكن أهل الأحقاد والضغائن لا يشفع عندهم عدله وإن عدل، وهذا ما كان في قلب المجوسي أبي لؤلؤة ومن معه ممن تآمروا على قتل عمر، ولم يُشفي ما في صدورهم من غيظ إلا دم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعندما نرى اليوم أمورا زادت وتفاقمت وتعدت كل الحدود من إنفلات أخلاقى ومن بلطجه ومن جرائم قتل واغتصاب يجب علينا أن نتذكر القصاص ويجب علينا أن نتذكر عدل عمر بن الخطاب رضى الله عنه فلقد كان الفاروق قدوة في عدله، فأسر القلوب وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوة عملية للإسلام به تفتح قلوب الناس للإيمان.

 

وقد سار على ذات نهج الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم، فكانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحا منقطع النظير لا تكاد تصدقه العقول حتى اقترن اسمه بالعدل، وبات من الصعب جدا على كل من عرف شيئا يسيرا من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين، وقال ابن مسعود رضى الله عنه لقد كان إسلام عمر فتحا، وهجرته نصرا، وإمارته رحمة، ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه، وكان سبب إسلامه أنه كان شديدا على من أسلم، فلما علِم أن أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد أسلما، جاء إليها وعندهما خباب يقرئهما، فاختبأ خباب، فبطش بختنه وأقبلت أخته لتكفه عن زوجها، فشجّها، فأدماها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى