مقال

نسائم الايمان ومع خامس الخلفاء الراشدين ” الجزء العاشر

نسائم الايمان ومع خامس الخلفاء الراشدين ” الجزء العاشر

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العاشر مع خامس الخلفاء الراشدين، وقد توقفنا عند، وفي سنة مائه من الهجره، قد أغارت الروم في البحر على ساحل اللاذقية، فهدموا مدينتها وسَبوا أهلها، فأمر ببنائها وتحصينها، وفي عام مائه وواحد من الهجره، فقد أغزى عمر بن عبد العزيز الوليد بن هشام المعيطي، وعمرو بن قيس الكندي من أهل حمص، وأمر بترحيل أهل طرندة وهم كارهون، وذلك لإشفاقه عليهم من العدو، وأراد أن يهدم المصيصة لتعرضها لغارات الروم، ثم أمسك عن ذلك وبنى لأهلها مسجدا جامعا من ناحية كفرييا، واتخذ فيه صهريجا وكان اسمه عليه مكتوبا، وجعلها مركزا متقدما لدرء الخطر عن أنطاكية من غزوات الروم المتكررة، وكان عمر حازما شديدا في أخذ الحق والدفاع عنه.

 

وهذا ما تشير إليه رواية ابن عبد الحكم، حيث يذكر أنه عندما أرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز رسولا إلى ملك الروم، وقصّ عليه قصة رجل أسير في بلد الروم أجبر على ترك الإسلام واعتناق النصرانية، قائلين له إن لم تفعل سملت عينك، فاختار دينه على بصره فسملت عيناه، فأرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى ملك الروم وقال له أقسم بالله لأن لم ترسله إلي لأبعثن إليك من الجنود جنودا يكون أولهم عندك وآخرهم عندي، فاستجاب ملك الروم لطلبه، وبعث بالرجل إليه، وقد تميزت خلافة عمر بن عبد العزيز بعدد من المميزات، وكان أهمها هو العدل، حيث كان عمر بن عبد العزيز يرى أن المسؤولية تتمثل بالقيام بحقوق الناس، والخضوع لشروط بيعتهم. 

 

وتحقيق مصلحتهم المشروعة، فالخليفة أجير عند الأمة وعليه أن ينفذ مطالبها العادلة حسب شروط البيعة، وقد أحب الاستزادة في فهم صفات الإمام العادل وما يجب أن يقوم به ليتصف بهذه الخصلة، فكتب إلى الحسن البصرى يسأله عن ذلك، فأجابه الحسن بأن الإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغارا، ويعلمهم كبارا، يكتب لهم في حياته، ويدخرهم بعد مماته، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البّرة الرفيقة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتمّ بشكايته، والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصيّ اليتامى وخازن المساكين، يربي صغيرهم. 

 

والإمام العدل يا أمير المؤمنين كقلب بين الجوانح، تصلح الجوانح بصلاحه، وتفسد بفساده، والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويُسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدَّد وشرَّد العيال، فأفقر أهله وفرَّق ماله، وقد أحبّ عمر أهل البيت وأعاد إليهم حقوقهم، وقال مرة لفاطمة بنت علي بن أبي طالب يا بنت علي، والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحبّ إليَّ منكم، ولأنتم أحب إليَّ من أهل بيتي، وقد بدأ عمر بن عبد العزيز برد المظالم بنفسه، وقد روى ابن سعد أنه لما رد عمر بن عبد العزيز المظالم قال إنه لينبغي أن لا أبدأ بأول من نفسى. 

 

فنظر إلى ما في يديه من أرض أو متاع، فخرج منه حتى نظر إلى فص خاتم، فقال هذا مما كان الوليد بن عبد الملك أعطانيه، وكان ذلك مما جاءه من أرض المغرب، فخرج منه، وقد بلغ به حرصه على التثبت أنه نزع حلي سيفه من الفضة، وحلاه بالحديد، قال عبد العزيز بن عمر، كان سيف أبي محلى بفضة فنزعها وحلاه حديدا، وكان خروجه مما بيده من أرض أو متاع بعدة طرق كالبيع، فلما استخلف نظر إلى ما كان له من عبد، وإلى لباسه وعطره وأشياء من الفضول، فباع كل ما كان به عنه غني، فبلغ ثلاثة وعشرين ألف دينار، فجعله في السبيل، أو عن طريق ردها إلى أصحابها الأصليين، وهذا ما فعله بالنسبة للقطائع التي أقطعه إياها قومه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى