مقال

نفحات إيمانية ومع ترجمان القرآن “الجزء الثانى “

نفحات إيمانية ومع ترجمان القرآن “الجزء الثانى ”

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع ترجمان القرآن، وكان ابن عباس رضي الله عنه من أشهر مفسري الصحابة، مع أنه كان أصغرهم سنا، وكان من منهج ابن عباس في تفسيره لكتاب الله تعالى، أن يرجع إلى ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سمعه من الصحابة الكرام، فإن لم يجد في ذلك شيئا اجتهد رأيه، وهو أَهل لذلك، وكان رضي الله عنه، يرجع أحيانا إلى أخبار أهل الكتاب، ويقف منها موقف الناقد البصير، والممحّص الخبير، فلا يقبل منها إلا ما وافق الحق، ولا يُعوّل على شيء وراء ذلك، وقد كان ابن عباس رضي الله عنه، معروفا بأدبه الجمّ مع أهل العلم، وقد عاد ذلك عليه باليُمن والبركة، كما كان عابدا راسخا في عبادته.

 

كثير البكاء خشية من الله عز وجل، وعقد النية على الذهاب لأداء الحج مشيا على الأقدام، إلا أنه أصيب ببصره فلم يفعل، وتأسّف على ذلك وقال “ما آسي على شيء فاتني إلا أني لم أحج ماشيا ” وعُرف عنه أيضا تدبّره لآيات القرآن الكريم، والتمعّن في المعاني والدلالات، وكان من صفاته الجليلة التي عُرفت عنه، هو الوفاء، إذ منح أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه، مالا ليسدّ به ديونه، ووهبه مثله أيضا، إكراما له على جميل صُنعه مع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حين هاجر إلى المدينة المنورة، ومما اشتهر به ابن العباس أيضا صبره على المصائب والابتلاءات، محتسبا الأجر من الله تعالى، وكان عارفا مطلعا على طبائع الناس.

 

وعالما بأساليب التعامل معهم، وبذلك زادت محبّة الناس له، فكان صابرا حليما حكيما حريصا على إظهار فضل ونعم الله عليه، وكان ابن عباس أبيضا، طويلا، ويقول شمس الدين الذهبي وكان وسيما، جميلا، مديد القامة، مهيبا، كامل العقل، ذكي النفسِ، من رجال الكمال، ويقول عطاء بن أبي رباح ” ما رأيت القمر ليلة أربع عشر إلا ذكرت وجه إبن عباس ” وقد كان رجلا جسيما شاب مقدم رأسه عند كبره وله جمة، وقد قيل أنه كان ابن عباس إذا قعد أخد مقعد رجلين، وقد قال أبو بكرة ” قدم علينا ابن عباس البصرة وما في العرب مثله حشما وعلما وثيابا وجمالا وكمالا ” وكان يُكثر من الطيب حتى إذا مر من طريق تقول النساء هذا ابن عباس أو رجل معه مسك.

 

وكان بن عباس رضى الله عنهما قد أصابه العمى في آخر عمره، فاعترى لونه صفرة يسيرة، وأما عن ملبسه فقد كان يلبس الحُلة بألف درهم، وكان يلبس عمامة سوداء، فيرخي شبرا بين كتفيه وبين يديه، ويلبس إزارا إلى نصف ساقه أو فوق ذلك، ويصلي وعليه قطيفة رومية، ولقد حرص ابن عباس رضي الله عنهما، منذ صغره على طلب العلم وتعلمه، فبذل في سبيل ذلك جهدا كبيرا، وكان متواضعا في ذلك، ولم يأخذ إلا بحديث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الصحيح بعد أن تثبت صحّته، ولازم العلماء من الصحابة ونزل في بيوتهم دون المبالاة بأي أذى أو خطر قد يتعرض له في الطريق، وقد خص بعض الصحابة في تلقي العلم منهم، مثل عمر بن الخطاب.

 

وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، رضى الله عنهم أجمعين، وإن من الأسباب التي جعلت من ابن العباس فقيها عالما، دعاء النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، له، إذ قال صلى الله عليه وسلم ” اللهم فقِهه في الدينِ وعلمه التأويل ” وقد سُمّي بالبحر، لسعة علمه، وقال عنه عُبيد الله بن عتبة ” إنه قد فاق الناس بخصال، فقد تميز بعلمه وفقهه وحلمه ونسبه” وقال عنه أيضا “ما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأيٍ منه، وما رأيت سائلا قط سأله إلا وجد عنده علما ” ولقد كان من صفاته العقلية هو اشتهاره بعمق الاستنباط واستنتاجه للمعاني العميقة من النصوص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى