مقال

نفحات إيمانية ومع الطريق إلى السعادة ” الجزء الرابع “

نفحات إيمانية ومع الطريق إلى السعادة ” الجزء الرابع ”

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع الطريق إلى السعادة، وإن من طرق السعادة هو اعتزالهم في الشر وفضول المباح، وقد قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله، أن مخالطة الناس وخصوصا العوام، ينسي الرحيل عن الدنيا، ويجلب الكسل عن الطاعة، والبطالة، والغفلة، والراحة، فيثقل على من ألف مخالطة الناس، التشاغل بالعلم، أو بالعبادة، ولا يزال يخالطهم حتى تهون عليه الغيبة، وتضيع الساعات في غير شيء، وقال رحمه الله ما رأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح، فإن الطبع يسرق، فإن لم يتشبه بهم، ولم يسرق منهم فتر عمله، وقال الإمام ابن القيم رحمة الله والضابط النافع في أمر الخلطة أن يخالط الناس في الخير، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات.

 

وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله، إن أمكنه، ويشجع نفسه، ويقوي قلبه، ولا يلتفت إلى الوارد الشيطاني القاطع له في ذلك، وأيضا من طرق السعادة هو الاستغناء عن الناس، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية أعظم ما يكون العبد قدرا وحرمة عند الخلق إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه، فإن أحسنت إليهم، مع الاستغناء عنهم، كنت أعظم ما يكون عندهم ومتى احتجت إليهم ولو في شربة ماء نقص قدرك عندهم بقدر حاجتك إليهم، وأيضا من طرق السعادة هو التعامل مع الناس على أنهم مختلفين في طباعهم، فمن أراد أن يتعامل مع غيره، فلا بد له أن يعرفه معرفة جيدة، وعلى ضوء هذه المعرفة يكون التعامل معه.

 

ومن أراد أن يتعامل مع الناس، فلا بد له من معرفة أنهم مختلفين في نواح شتى، فالناس مختلفون في الخُبث والطيب واللين والشدة، ومن آيات الله الدالة على عظمته، وكمال اقتداره، خلق الناس مختلفين في ألوانهم وألسنتهم، فمع كثرة الناس منذ أن خلق الله الخلق، فإنه لا يوجد صوتين متفقين من كل وجه، ولا لونين متشابهين من كل وجه، فقال الله سبحانه وتعالى فى سورة الروم “ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين” وقال العلامة السعدي رحمه الله هذا من عنايته بعباده، ورحمته بهم أن قدر ذلك الاختلاف، لئلا يقع التشابه، فيحصل الاضطراب ويفوت كثير من المقاصد والمطالب، والناس كما أنهم مختلفون في ألوانهم.

 

ولغاتهم التي لا يعلمها إلا الله جل جلاله فهم كذلك مختلفون في طباعهم، فمنهم الطيب والخبيث، واللين والشديد، وبين ذلك، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك” رواه أبو داود، فالناس فيهم طيب الخصال، وفيهم خبيث الخصال، وفيهم السهل اللين المنقاد، وفيهم الغليظ الطبع، فمعرفة ذلك يساعد الإنسان ويعينه على التعامل الجيد معهم، بحيث يستفيد من طيب الطيب، وينجو ويسلم من شر صاحب الشر، وكذلك فإن الناس مختلفون.

 

في الغضب والرضا، فهم على أربع طبقات وردت في الحديث، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألا إن بني آدم خُلقوا على طبقات شتى، فمنهم، البطيء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، فتلك بتلك، ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، ألا وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء” رواه الترمذي، ومعرفة الإنسان لأحوال الناس في الغضب والرضا، ومعرفته لحال كل إنسان بعينه يساعده في التعامل معه، فشرّهم، وهو سريع الغضب بطيء الفيء يحذره ويبتعد عنه، وخيرهم وهو بطيء الغضب سريع الفيء يقرب منه، والمتوسط منهم يتعامل حسب بقدر الحاجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى