مقال

نفحات إيمانية ومع النبى مربيا ومعلما ” 2″ 

نفحات إيمانية ومع النبى مربيا ومعلما ” 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع النبى مربيا ومعلما، وتبلغ رحمته صلى الله عليه وسلم بأعدائه القمة السامقة عندما يتعرّض لإيذائهم، ففي هذه المواطن التي يفقد فيها الرحماء رحمتهم، عندما تعرّض للسباب والضرب من أهل الطائف، ونزل ملك الجبال في صُحبة أمين الوحى جبريل عليه السلام يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يُطبق عليهم الأخشبين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة “اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون” وفي هذا القول جمع النبي صلى الله عليه وسلم مقامات الإحسان كلها، فقد عفا عنهم، والتمس لهم العذر بجهلهم، ثم دعا لهم ولم يكن هذا موقفا فريدا للنبي صلى الله عليه وسلم، بل كان هذا خلقه مع مَن خالفه وحاربه.

 

كما في قوله صلى الله عليه وسلم “اللهم اهدى دوسا، اللهم اهدى ثقيفا، اللهم اهدى أم أبي هريرة” ثم تجلت رحمته صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وقد فعل أهلها به وبأصحابه ما فعلوا، فقال عمر لما كان يوم الفتح ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، أرسل إلى صفوان بن أمية، وإلى أبي سفيان بن حرب، وإلى الحارث بن هشام، قال، عمر فقلت لقد أمكن الله منهم، لأعرفنهم بما صنعوا، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته كما جاء فى سورة يوسف ” لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين” وقال عمر رضى الله عنه فافتضحت حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهية أن يكون بدَر مني.

 

وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، ولقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم بفضل ربه عز وجل أن يؤسس أعظم دولة عرفها التاريخ حيث أخرج للوجود أمة، ومكن لعبادة الله تعالى في الأرض، ووضع أسس العدالة الاجتماعية، وحوّل جيلا كاملا من رعاة للبقر إلى قادة للأمم، استطاع بفضل الله تعالى أن يخرج للعالم كله المواهب والعبقريات العظيمة من أمثال عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل، وحوّلهم من جيل لا يعرف إلا الفوضى إلى جيل يعرف النظام والعدل، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض، يرحمكم من في السماء” رواه أبو داود.

 

وقال الطيبي أتى بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق، فيرحم البر والفاجر، والناطق، والبُهم، والوحوش والطير، وعن عمرو بن حبيب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “خاب عبد وخسر، لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر” وعن أنس بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يدخل الجنة منكم إلا رحيم” قالوا يا رسول الله، كلنا رحيم، قال “ليس رحمة أحدكم نفسه وأهل بيته، حتى يرحم الناس” وإن من أعظم الأسباب التي تعين على الرحمة، وتيسر للإنسان طريقها قراءة كتاب الله جل جلاله، قال العلماء إن الرحمة لا تدخل إلى قلب قاس، والقلوب لا تلين إلا بكلام الله، ولا تنكسر إلا بوعد الله ووعيده، وتخويفه وتهديده، فمن أكثر تلاوة القرآن.

 

وأكثر من تدبر القرآن، كسر الله قلبه، ودخلت فيه الرحمة، كذلك من الأسباب التي تعين على رحمة الضعفاء تذكر الآخرة فإن العبد إذا تذكر مشاهد الآخرة، وصور نفسه كأنه قائم بين يدي الله تجادل عنه حسنته، ويقف بين يدي الله عز وجل وقد نشر له ديوانه، وبدت له أقواله وأفعاله، إذا تصور مثل هذه المواقف، قادته إلى الله، وحببت إلى قلبه الخير، وجعلت أشجانه وأحزانه كلها في طاعة الله ومرضاته، ولقد فقد حباه الله الحكمة والهداية، وآتاه جوامع الكلم وفصل الخطاب، فكانت أقواله نصوصا فائقة البلاغة عظيمة البيان، وكان يؤسس العقائد، ويشرح الشرائع، ويجمع المواعظ والعبر والنصائح في كلمات عذبة سهلة، تفتح مغاليق القلوب، وتهدي العقول والألباب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى