مقال

الإخوة الأعداء يختلفون..

الإخوة الأعداء يختلفون..

كتب / يوسف المقوسي

فجأة، وبلا سابق إنذار، اكتشف أهل النظام العربي أن إسرائيل ليست «العدو» بقدر ما كانوا يتوهمون أو تصوّر لهم الدعايات المغرضة «قومية» كانت أم «أصولية» متطرفة!

فلا هم كانوا يعرفون أن «إسرائيل» هي ملتقى آمال اليهود في العالم كله، وإلا لكانوا احتضنوها وشرّعوا الأبواب أمامها لأن اليهود هم شركاء العرب تاريخياً في الأرض والمصير من يثرب وحتى الأندلس، وهم أتباع رسالة سماوية سابقة على النصرانية والإسلام، فأي جاهل يمكن أن ينكر عليهم «حق العودة» إلى «أرض الميعاد»!

ثم إن أهل النظام العربي لم يكونوا يعرفون أن يهود روسيا أو يهود أثيوبيا من الفالاشا أو يهود الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن اليهود الذين كانوا أهل جيرتهم في أوطانهم العربية ذاتها، هم بعض الناجين من ضحايا «المحرقة» التي ارتكبها النازيون في ألمانيا، فصارت أعظم جريمة ضد الإنسانية منذ خُلق سيدنا آدم وحتى يوم القيامة…

ولكي يكفّر أهل النظام العربي عن هذا الخطأ الاستراتيجي الفاضح فإنهم ذهبوا إلى التاريخ يستنطقونه وإلى الجغرافيا يستكشفونها مجدداً فإذا بهم أمام حقائق جديدة تساعدهم على رسم خريطة مختلفة تماماً لمواقع الأعداء والأصدقاء.

انتبهوا، رعاهم الله، إلى أن اليهود كانوا جيران أهل هذه الأرض وشركاء تجارتهم ووسطاء التواصل مع الخارج البعيد، في مصر ولبنان وسوريا والجزيرة العربية شمالاً وجنوباً، إضافة إلى فلسطين، بل لا سيما في فلسطين… وبالتالي فلهم حقوق شرعية في هذه الأقطار جميعاً، ولا يهم أن يكونوا قد تخلوا عن جيرانهم وأصدقائهم وعشرائهم فيها، وأنهم قد باعوا أملاكهم وهرّبوا فتيانهم ثم تذرّعوا بفتياتهم اللواتي لا يجوز تزويجهن من غير اليهود لكي يتركوا البلاد التي عاملتهم كأبنائها وأعز، وفتح أهلها لهم قلوبهم وشاركوهم في السرّاء والضرّاء.. ثم ذهبوا إلى «دولتهم» التي صارت الأقوى والأغنى فانقلبوا يحاربون جيرانهم السابقين حتى أخضعوهم فاقتنعوا بأخوّتهم.

وبالتالي فليس كثيراً أن تطلب «دولة يهود العالم» فتح السفارات وتبادل السفراء وفتح القنصليات وفتح الأجواء وفتح البحور ومن ضمنها قناة السويس الواصلة بين بحرين، وفتح الأرض جميعاً، وفتح القلوب والعيون والخواطر وصناديق البنوك، أمام طائراتها ـ حربية ومدنية ـ وصواريخها وقنابلها، عنقودية وفوسفورية، وأمام الاستثمارات والخبرات اليهودية المتفوقة على أهل الأرض جميعاً…

إنه طلب لا يمكن أن يرفضه الأخ إذا ما طلبه أخوه، وإلا اعتبره العالم خارجاً على العدالة الكونية والقانون الدولي وحقوق

الإنسان ومتستراً على جريمة العصر، «المحرقة».

كذلك فإن أهل النظام العربي قد انتبهوا إلى أن لليهود حقوقاً شرعية في بعض النفط وبعض الغاز، وخصوصاً أنهم كانوا بين أصحاب هذه الأرض التي تفجّرت بعد «خروجهم» الثاني بالذهبين الأسود والأبيض، وكذلك في بعض المياه، حتى لو شحّت الأنهار بسبب بخل تركيا أو بخل الطقس… إضافة إلى فلسطين ومعها!

ثم إن أهل النظام العربي قد انتبهوا إلى أن إيران تستدرجهم، تحت راية الإسلام، إلى عداء غير مبرّر مع إسرائيل التي يمكن أن تكون شريكتهم، بل طليعتهم المقاتلة بصواريخها البعيدة المدى وطائراتها الأسرع من التفكير والمحمية بالمخزون النووي لمفاعل ديمونا، في مواجهة هذا الخطر الفارسي المستجد والذي يموّه حقيقته العنصرية بالنزعة الإمبريالية الكامنة بل الظاهرة في كل الأرض العربية من أدناها الحوثي في جنوب المشرق إلى منتهاها العلوي في المغرب الأقصى.

… وأطماع «الفرس» مكشوفة مهما غلّفوها بشعارات إسلامية، وها هو أخطبوطها يمتد بأذرعته من العراق إلى سوريا ولبنان وصولاً إلى ما تبقى من فلسطين عبر غزة، وإلى الجزيرة والخليج… في حين أن «دولة يهود العالم» لا تطلب أكثر من حسن الجوار وبعض الأرض التاريخية لشعب الله المختار والتي تمتد ـ حسب الروايات ـ من النهر (النيل) إلى النهر (الفرات)، ومن ضمنها القدس الشريف وفيها هيكل سليمان (النبي الشاعر)، ومعها ومن أجل توطيد «السلام» بعض القواعد الأميركية في أنحاء مختلفة، لا سيما في العراق والجزيرة والخليج وبعض أفريقيا العربية، حتى لا تحصل مفاجآت وتنسف استقرار «يهود العالم» الذين وجدوا ـ أخيراً ـ وطناً لإقامة دولتهم التي قد يزعج العنصر الغريب فيها من فلسطينيي 1948 أو فلسطينيي الشتات، الأمن والطمأنينة لليهود الذين جاؤوا إليها من كل فج عميق.

ولقد تلقى أهل النظام العربي من الإدارة الأميركية كما من الاتحاد الأوروبي ضمانات جدية وغير قابلة للطعن في أن إسرائيل ستحفظهم وترعاهم وتحميهم وتؤمنهم من خوف في وجه خصومهم في الداخل، أو في المحيط، كائنة ما كانت أسباب قوتهم.

وهكذا، وتحت مظلة هذا النظام العربي الذي يقوم «الأعداء» السابقون على حراسته صار لكل عربي عدوه (الجديد) العربي…

صار لعرب النفط أعداء من أهلهم (سابقاً) العرب الفقراء، الذين أسهموا في بناء «دول» الذهب الأسود، وفي تعليم الأجيال الأولى من شبابها الجديد، وإعدادهم لتحمّل المسؤولية في أوطانهم بعدما بنوا لها «دولها».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى