مقال

نفحات إيمانية ومع الأمن الإجتماعى والفساد الأخلاقى ” جزء 6″

نفحات إيمانية ومع الأمن الإجتماعى والفساد الأخلاقى ” جزء 6″

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع الأمن الإجتماعى والفساد الأخلاقى، فالمجتمع الاسلامي هو مجتمع الثقة المتبادلة التي تقوم على مبدأ حسن الظن، فدعوة الإسلام إلى حسن الظن بالآخرين، وصحة عمل المؤمن والأخذ بظواهر الأمور هو ليس من باب تبسيط الأمور والتغطية على أصحاب النوايا الدنيئة الذين يفلتون من عقاب المجتمع تحت ذريعة هذه القيم، لا بالطبع فحسن الظن ليس تبسيطا للأمور بل من أجل تعزيز حالة الثقة في المجتمع، بحيث كل فرد في هذا المجتمع يثق بالآخر فعندما يصبح كل فرد في المجتمع وهو يحمل في نفسه الثقة العالية بالآخرين يعيش هذا المجتمع في سلام ووئام فيتحقق الأمن الاجتماعي والاقتصادي، فقد قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه

 

” شر الناس من لايثق بأحد لسوء ظنه ولايثق به أحد لسوء فعله” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من اتهم أخاه في دينه فلا حرمة بينهما” أما سوء الظن بالآخرين واتهامهم جزافا بلا علم ولا كتاب مبين يؤدي إلى تفتيت المجتمع وانقسامه، وليس أدل على ضياع هذه القيمة الإسلامية من انتشار ظاهرة التكفير في المجتمعات الإسلامية وهي ظاهر خطيرة سلبت الأمن والإستقرار من الكثير من البلاد الإسلامية، وهي ليست من الإسلام بشيء، بل على عكس ما جاء به الإسلام الذي حمل للبشرية المحبة والسلام والإخلاص والثقة المتبادلة، وإن الأمن الذي تبحث عنه النفوس في كل شأن من شئون الحياة، هو جزء من هذه المشتقات التي جاء به اللغويون وأوضحوها.

 

وقد جعل القرآن الكريم، وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم محور هذا الأمن الإيمان الذي مقره القلب، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالنفس ومتطلباتها، كالأمن الصحي، والأمن النفسي، والأمن الغذائي، والأمن الاقتصادي والأمن الأخلاقي، وغيرها، أو ما يتعلق بالمجتمع وترابطه كالأمن في الأوطان، والأمن على الأعراض، والأمن على الأموال والممتلكات وغيرها،أو ما يتعلق بالأمن على النفس من عقاب الله ونقمته بامتثال أمره، وطاعة رسوله، واتخاذ طريق المتقين مسلكا لكي تنقذ النفس بكسب رضا الله، واستجلاب رحمته والأمن من عذابه في نار جهنم وغيرها، وكل هذه الأنواع من الأمن مطالب ملحة تسعى إليها البشرية في كل عصر، وفي كل مكان.

 

وكل من حمل راية الزعامة في أي مجتمع وبيئة يدعو إليها، لأنها هي التي تلامس أوتار الخاصة والعامة، ذلك أن النفس البشرية تبحث عن ذلك، ولا تدرك مدى الحاجة له والضرورة الملحة إليه، إلا بفقدانه، أو انتقاص مرتبة من مراتبه، ويؤصل هذا المدلول ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول “نعمتان مجحودتان وفي رواية مغبون فيهما كثير من الناس الصحة في الأبدان، والفراغ” رواه البخاري، ولئن كانت الزعامات البشرية تغفل عن الأمن الأخروي، والأمن من عقاب الله تعالى، فإنما هذا عائد لنقص الإيمان لديها، أما نظرة القرآن الكريم، وتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها تؤصل الإيمان، الذي يجعل النفس البشرية مطمئنة، تؤمن بما قدر الله، وتستسلم لقضائه.

 

وتحتسب ذلك عنده أجرا مدخرا، وإن من المطالب البشرية، للاطمئنان على شئون الحياة، ليبرز من ذلك اهتمام التشريع الإسلامي بذلك في مصدريه، كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ليتضح لنا اهتمام القرآن الكريم بالعلاج النفسي المريح، قبل اهتمام علماء ومفكري العالم به، والفرق بين الاهتمامين أن الإسلام جاء لمصلحة النفس البشرية، وتوجيهها لما يسعدها، وأن المصلحة عائدة لهذه النفس في الأول والآخر، أما ما يضعه البشر من أنظمة، يخاطب بها ألباب الجماهير، وما تحمل من وعود ومطالب وخيالات، فإن هذه الأمور تتبدد كالسراب، لأن الواحد يسعى لنفسه حتى يحقق ما يطلب، ويصل إلى بغيته، حيث يتجاهل بعد ذلك وعده للآخرين بالسعي لمصالحهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى