مقال

نفحات إيمانية ومع نبى الله ذو الكفل علية السلام ” جزء 3″

نفحات إيمانية ومع نبى الله ذو الكفل علية السلام ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع نبى الله ذو الكفل علية السلام، وقد وصف القرآن ذا الكفل عليه السلام بوصفين، وهو أنه من الصابرين، والصبر من شيم الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من الصالحين، وأنه من الأخيار، أي من المختارين المجتبين الأخيار، وهو وصف شارك فيه غيره من الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام، وقد قال السعدي في تفسير الآيات الكريمة، قال إن هؤلاء الأنبياء قد استخلصهم الله تعالى بأحسن الذكر، والثناء عليهم فقد استخلصهم من الخلق وانتقى لهم الأفضل من الأعمال والخصال الحميدة، والخُلق، والطباع الحسنة، وقد روي عن ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد، أن نبى الله ذا الكفل لما كبر في العمر، خرج على قومه وقال لهم إنه يرغب في أن يستخلفه رجلا على بني قومه.

 

فيعمل عليهم قبل موته حتى يدري ما سوف يفعله بهم، وأما من يقول إن ذا الكفل لم يكن نبيا وإنما كان رجلا صالحا من بني إسرائيل فيروي أنه كان في عهد نبي الله اليسع عليه السلام، وقد روي أنه لما كبر اليسع قال لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل؟ فجمع الناس فقال من يتقبل لي بثلاث استخلفه يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب، فقام رجل تزدريه العين، فقال أنا، فقال أنت تصوم النهار، وتقوم الليل، ولا تغضب؟ قال نعم، لكن اليسع عليه السلام ردّ الناس ذلك اليوم دون أن يستخلف أحدا، وفي اليوم التالي خرج اليسع عليه السلام على قومه وقال مثل ما قال اليوم الأول، فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال أنا، فاستخلف اليسع ذلك الرجل.

 

وقد تكرر اسم ذي الكفل في القرآن الكريم مرتين، الأولى كما جاء فى سورة الأنبياء في قوله سبحانه ” وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين” والثانية كما جاء فى سورة ص في قوله تعالى ” واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار” ولم يأت ذكر لذي الكفل في غير هذين الموضعين من القرآن الكريم، والذي عليه أكثر المفسرين أن ذا الكفل نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين، وقال الرازي والأكثرون أنه من الأنبياء عليهم السلام، وقال ابن كثير وأما ذو الكفل فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي، وقال الآلوسي، وظاهر نظم ذي الكفل في سلك الأنبياء عليهم السلام أنه منهم، وهو الذي ذهب إليه الأكثر، وقال ابن عاشور، وأما ذو الكفل فهو نبي.

 

ولكن قد اختلف في تعيينه، فقيل هو إلياس المسمى في كتب اليهود إيليا، وقيل هو خليفة اليسع في نبوة بني إسرائيل، والظاهر أنه عُوبديا الذي له كتاب من كتب أنبياء اليهود، وهو الكتاب الرابع من الكتب الاثني عشر، وتعرف بكتب الأنبياء الصغار، وذهب آخرون إلى أن ذا الكفل ليس بنبي، بل كان رجلا صالحا، وقد روي عن مجاهد في قوله سبحانه “وذا الكفل” قال هو رجل صالح غير نبي، وتكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه، ويقيمهم له، ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي ذا الكفل، ونقل القرطبي في هذا الصدد أن الذي عليه الجمهور أنه ليس بنبي، وهذا يخالف ما نُقل عن أكثر المفسرين، وقد توقف شيخ المفسرين الطبري في هذا الأمر، فلم يقطع بنبوة ذي الكفل، ولم يقطع بكونه غير نبي.

 

وقد استدل الرازي على كون ذي الكفل نبيا بأدلة ثلاثة، وهي أن ذا الكفل يحتمل أن يكون لقبا، وأن يكون اسما، والأقرب أن يكون مفيدا، لأن الاسم إذا أمكن حمله على ما يفيد، فهو أولى من اللقب، إذا ثبت هذا، فيقال الكفل، وهو النصيب، حيث قال الله تعالى كما جاء فى سورة الحديد ” يؤتكم كفلين من رحمته” والظاهر أن الله تعالى إنما سماه بذلك على سبيل التعظيم، فوجب أن يكون ذلك الكفل، هو كفل الثواب، فهو إنما سمي بذلك، لأن عمله وثواب عمله، كان ضعف عمل غيره، وضعف ثواب غيره، ولقد كان في زمنه أنبياء، ومن ليس بنبي لا يكون أفضل من الأنبياء، وأن الله سبحانه وتعالى قرن ذكره بذكر إسماعيل وإدريس، والغرض هو ذكر الفضلاء من عباده ليتأسى بهم، وذلك يدل على نبوته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى