مقال

السيدة مريم بنت عمران ” جزء 2″

السيدة مريم بنت عمران ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع السيدة مريم بنت عمران، فتعجبت من وجود ولد من غير والد لأنها لا زوج لها، ولا هي ممن تتزوج، فأخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء، فسلمت لأمر الله، وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها، وكانت تخرج من بيت المقدس فترة حيضها، أو لحاجة ضرورية لا بد منها، وفي أحد الأيام خرجت لبعض شؤونها وحدها شرقي المسجد الأقصى، إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل عليه السلام، ووقعت بينهما القصة المعروفة التي قصّها الله عز وجل علينا في القرآن، في السورة التي حملت اسم السيدة مريم عليها السلام، فاضطرها المخاض إلى جذع النخلة، فقالت يا ليتنى مت قبل هذا، قالت ذلك في حال الطلق استحياء من الناس، فولدت نبي الله عيسى عليه السلام، وقد تكلم في المهد مدافعا عن أمه، ومبينا أنه رسول رب العالمين.

 

 

إلى الناس لهدايتهم إليه، ودلالتهم عليه، فسلام على السيدة مريم عليها السلام، التي تبيّن سيرتها الزكية أهمية التقوى والعبادة والانصياع لإرادة الله سبحانه والتسليم له، والرضا بقضائه وقدره عز وجل فقد كان إيمانها وصلاحها وإخلاصها سبيلا لتكون مثالا يحتذى ونموذجا يقتدى، ولتكون ممن فضلهن الله على نساء العالمين جزاء صبرها وتقواها، وعاشت مريم عليها السلام مع ولدها نبي الله عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام دهرا طويلا في الجبل يعبدان إلههما الجبار يقومان الليل ويصومان النهار ويأكلان من ورق الأشجار ونبات الأرض ويشربان من ماء الأمطار، ثم أن عيسى ذات يوم نزل من الجبل يلتقط من نبات الأرض ما يفطر به هو وأمه إذ هبط ملك على مريم عليها السلام وهي معتكفة في محرابها وقال السلام عليك يامريم الصائمة القائمة.

 

فخرت مغشيا عليها من شدة هول ملك الموت، فلما أفاقت من غشوتها قالت له من أنت يرحمك الله ؟ فلقد اقشعر جسمي وارتعدت فرائصي وذهب عقلي وتلجلج لساني وتغيرت من مخافتك ألواني وخريت من خوفك مغشية على وجهي ؟ فقال لها يا مريم أنا ملك الموت الذي لا أرحم الصغير لصغره ولا الكبير لكبره ولا الشاب لشبابه، أنا هادم اللذات، أنا مفرق الجماعات، أنا منغص الشهوات، أنا قاطع الأمنيات، أنا مرسول لقبض الأرواح، أنا مخرب القصور، أنا عامر القبور، أنا الذي لا أستأذن على أحد بدخولي عليه من الملوك والجبابره، أنا ملك الموت، فقالت مريم جئت زائرا أم جئت قابضا؟ قال بل قابضا فاستعدي يا مريم، فقالت يا ملك الموت لا تعجل علي حتى يجيء قرة عيني وثمرة فؤادي وريحانة قلبي وفلذة كبدي عيسى، فقال لها ملك الموت ما أمرني الله تعالى بذلك.

 

وأنا عبد مأمور من الله تعالى الحي الذي لا يموت، وقد أمرني أن لا أرفع قدم حتى أقبض روحك في موضعك هذا، فقالت يا ملك الموت قد سلمت أمري لله تعالى ورضيت بقضائه، فدنى ملك الموت عليه السلام منها وقبض روحها الى رحمة الله تعالى، فأمسى نبي الله عيسى تلك الليلة لم يصعد إلى الجبل حتى دنى وقت العشاء الآخرة، فلما صعد الجبل نظرالى أمه فإذا هي ممدده فظن إنها نائمة، وقد أدت الفريضة لربها، ونامت لتستريح ولم يعلم نبي الله عيسى بما نزل عليها من أمر الله تعالى، فوضع ما كان عنده من حشيش الأرض ولم يفطر بشيء، كل هذا لأجل أمه يريد أن يفطر معها ولم يعلم أن ملك الموت قد نزل بها، وقام عيسى عليه السلام في محرابه وجعل يصلي حتى مضى من الليل ثلاث ساعات، فجاء ووقف عند رأسها وناداها بصوت خفيف وقلب يدها.

 

وقال السلام عليك يا أماه قد انتصف الليل وأفطر الصائمون وقام العابدون الى عبادة الجبار، فلم تكلمه، فقال في نفسه لكل نومة لذة وهي الآن في لذة نومها فما أنا بالذي منغص عليها لذتها، فعاد إلى محرابه فصلى ثلث الليل الثاني وجاء ووقف عند رأسها وبكى وقال السلام عليك يا أماه قد انصرم الليل وأفطر الصائمون وقام العابدون إلى عبادة الرحمن فلم تكلمه، فظن أنها تعبانه من العبادة وقد نامت لتستريح ثم عاد إلى المحراب ولم يفطر تلك الليلة بشيء حتى كان عند الفجر جاء إليها ووقف عند رأسها وناداها فلم تجبه، فأنكر شأنها فوضع فمه على فمها وخده على خدها وهو يقول يا أماه حملتيني في بطنك ورضعتيني من ثديك وسهرت علي ليلك وتعبت عليّ نهارك، يا أماه مضى الليل وجاء النهار وقد جاءت فريضة، رب العالمين التي لا بد منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى