مقال

الموت وفتنة القبر ” جزء 3″

الموت وفتنة القبر ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الموت وفتنة القبر، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال “ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن أول يوم يجيئك البشير من الله تعالى إما برضاه وإما بسخطه، ويوم تعرض فيه على ربك آخذ كتابك إما بيمينك أو بشمالك، وليلة تستأنف فيها المبيت في القبور وليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة” فاعلموا أن الموت هو الخطب الأفظع والأمر الأشنع والكأس التي طعمها أكره وأبشع وأنه الحادث الأهدم للذات والأقطع للراحات والأجلب للكربات والمفرق للجماعات، فإن أمرا يفرق أعضائك ويقطع أوصالك ويهدم أركانك لهو الأمر العظيم والخطب الجسيم، فقد آن للنائم أن يستيقظ من نومه، وحان للغافل أن ينتبه من غفلته قبل هجوم الموت بمرارة كأسه وقبل سكون حركاته.

 

وخمود أنفاسه وقبل رحلته إلى قبره وخلوده بين أرماسه، فمثل لنفسك يا مغرور فمثل وقد حلت بك السكرات ونزل بك الأنين والغمرات والناس من حولك مجتمعون تسمع كلامهم وتريد أن تكلمهم فلا تستطيع، فخيل لنفسك يا ابن آدم إذا أخذت من فراشك إلى لوح مغتسلك فغسلك المغسل وأنت جثة هامدة لا حركة ولا نفس وألبست الأكفان وأوحش منك الأهل والجيران وبكت عليك الأصحاب والأخوان وصلو عليك صلاة لا ركوع ولا سجود لها وحملوك إلى القبر وأنزلوك فيه وأدخلوك في ذلك اللحد الضيق المظلم ثم هلو عليك التراب وانصرفوا عنك وتركوك وحيدا، لا صديق ولا قريب الكل سينصرف عنك حينها ولا يبقى معك إلا ما قدمت من عمل، فتخيل ذلك وتخيل جلوسك لسؤال وما جوابك لهذا السؤال.

 

فإن الموت ساعة لا بد منها طال العمر أو قصر وإنه لو كان الموت هو نهايتنا ولو أننا من بعده تركنا لكان الموت أهون علينا بل إن هناك أمور وأهوال وشدائد من بعد الموت هناك بعث ونشور وحشر وجزاء وحساب في محكمة قاضيها هو الله وجنوده الزبانية وساحتها القيامة، وأن هناك صراط وجنة ونار، فاستعد أخي لهذه الأهوال، فإذا كان هذا الأمر قد أصاب الأنبياء والمرسلين والأولياء المتقين فمالنا عن ذكره مشغولين وعن الاستعداد له متخلفين، فلمثل هذا اليوم أخي فلتعد الزاد، ولمثل هذا اليوم فلتهجر العناد والفساد، ولمثل هذا اليوم فلتتقي رب العباد، فيا عبد الله ألا دموع تذرفها، ألا زفرات تنفثها، ألا توجعات من بين الضلوع تخرجها، حقا يا عباد الله قست القلوب وران عليها غطاء الذنوب نودع الأموات.

 

وها نحن قبل الممات أموات، فإن الدنيا دار ليست للبقاء وإن تراخى العمر وامتد المدى وأيامها مراحل، وساعاتها قلائل، والمرء لا شك عنها راحل وشبابها هرم، وراحتها سقم، ولذاتها ندم والدنيا قنطرة لمن عبر وعبرة لمن استبصر واعتبر، فاستبقوا الخيرات، وبادروا قبل أن تتمنوا المهلةَ وهيهات هيهات، ولا تغتروا بحياة تقود إلى الممات، لا يرى في حشودها إلا الشتات، ولا يسمع في ربوعها إلا فلان مرض وفلان مات، فالدنيا قد آذنت بالفراق، فراق ليس يشبهه فراق، قد انقطع الرجاء عن التلاق فطوبى لمن فرّ من مواطن الريب ومواقع المقت والغضب، مستمسكا بدينه، عاقدا عليه بكلتا يديه، قد اتخذه من الشرور ملاذا ومن الفتن معاذ، ويا خسارة من اقتحم حمى المعاصي والآثام.

 

وأرتع في الموبقات العظام، وأحكم عقد الإصرار على الذنوب والأوزار وقد هلك المصر الذي لا يُقلع، وندم المستمر الذي لا يرجع، وخاب المسترسل الذي لا ينزع، فاعلموا أن الموت مهلك العباد، وموحش البلاد، وميتم الأولاد، ومُذل الجبابرة الشداد، لا يعرف الصغير ولا يميز بين الوضيع والوزير، سيوفه على العباد مصلته، ورماحه على صدورهم مشرعة، وسهامه لا تطيش عن الأفئدة، فكم شيّعنا من الأقران، كم دفنا من الإخوان، كم أضجعنا من الجيران، كم فقدنا من الخلان، فيا مَن يقصد بالموت ويُنحى، يا من أسمعته المواعظ إرشادا ونصحا، هلا انتهيت وارعويت، وندمت وبكيت، وفتحت للخير عينيك، وقمت للهدى مشيا على قدميك، لتحصل على غاية المراد، وتسعد كل الإسعاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى