مقال

أخو الصدق والعدل ” جزء 5″

أخو الصدق والعدل ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع أخو الصدق والعدل، وعن سليم بن عامر قال كان بين معاوية، وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون، وهو يقول الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة، ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء” فرجع معاوية، ومعنى قوله ينبذ إليهم على سواء، أي يعلمهم أنه يريد أن يغزوهم، وأن الصلح الذي كان بينهم قد ارتفع، فيكون الفريقان في ذلك على السواء، وفيه دليل على أن العهد الذي يقع بين المسلمين وبين العدو، ليس بعقد لازم لا يجوز القتال قبل انقضاء مدته، ولكن لا يجوز أن يفعل ذلك إلا بعد الإعلام به والإنذار فيه.

 

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من صلى الصبح، فهو في ذمة الله، فلا تخفروا الله في عهده، فمن قتله، طلبه الله حتى يكبّه في النار على وجهه” أي في عهده وأمانه في الدنيا والآخرة، وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد “فلا تخفروا الله في ذمته” ومعنى خفرت الرجل أى أجرته وحفظته، وأخفرت الرجل، إذا نقضت عهده وذمامه، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر” وقال ابن عثيمين، وأما إخلاف الوعد فحرام يجب الوفاء بالوعد، سواء وعدته مالا، أو وعدته إعانة تعينه في شيء.

 

أو أي أمر من الأمور، إذا وعدت فيجب عليك أن تفي بالوعد، وفي هذا ينبغي للإنسان أن يحدد المواعيد، ويضبطها فإذا قال لأحد إخوانه أواعدك في المكان الفلاني، فليحدد الساعة الفلانية، حتى إذا تأخر الموعود، وانصرف الواعد يكون له عذر، حتى لا يربطه في المكان كثيرا، وقد اشتهر عند بعض السفهاء أنهم يقولون أنا واعدك ولا أخلفك، وأن وعدي إنجليزي، يظنون أن الذين يوفون بالوعد هم الإنجليز، ولكن الوعد الذي يوفى به هو وعد المؤمن، ولهذا ينبغي لك أن تقول إذا وعدت أحدا وأردت أن تؤكد إنه وعد مؤمن، حتى لا يخلفه لأنه لا يخلف الوعد إلا المنافقن، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، فيقال هذه غدرة فلان بن فلان” وقوله “لكل غادر لواء”

 

وقال النووي، معناه لكل غادر علامة يشهر بها في الناس لأن موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له، وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر، لتشهيره بذلك، وقال القرطبي، أن هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل لأنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء، وللغدر راية سوداء، ليلوموا الغادر ويذموه، فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر ليشتهر بصفته في القيامة فيذمه أهل الموقف، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن خيار عباد الله الموفون المطيبون” وتشير آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبويّة الشريفة إلى وجوب الوفاء بالعهود، والمواثيق، وأظهرت شناعة وعقاب من ينقضهما، أو من يخل بها، حتى أن النكث بالعهود يقود إلى الكفر، وهذا ما حدث مع بني إسرائيل.

 

وغيرهم من الأقوام الذين نقضوا العهد مع الله تعالى، ويترتب على الوفاء بالعهود العديد من الثمرات التي تقود إلى صلاح المجتمع واستقراره، وهي تحصيل التقوى، فالوفاء بالعهود إحدى صفات المتقين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه الحكيم، و تحصيل الأمان الدنيوي، وحقن الدماء، وحفظ حقوق العباد و تكفير السيئات والفوز بالجنان، وكما يترتب على نقض العهود العديد من الآثار، وهي قسوة القلب، حيث يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله “إن من نقض العهد الذي أبرمه يضر نفسه كما أنه يجر على نفسه اللعن” كما ذكرت آيات القرآن الكريم أن اللعنة أصابت طائفة من بني إسرائيل عندما نقضوا عهدهم مع الله تعالى، حيث يقول الله تعالى “فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية” فالخسارة العظيمة في الدنيا، والعذاب الشديد في الآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى