مقال

أبو البشر آدم عليه السلام “جزء 4”

أبو البشر آدم عليه السلام “جزء 4”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع أبو البشر آدم عليه السلام، فلما علم الله آدم هذا السر، وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الأسماء ولم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص، وجهروا أمام هذا العجز بتسبيح ربهم، والاعتراف بعجزهم والإقرار بحدود علمهم وهو ما علمهم، ثم قام آدم بإخبارهم بأسماء الأشياء، ثم كان هذا التعقيب الذي يردهم إلى إدراك حكمة العليم الحكيم فيقول تعالي ” قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون” فأراد الله تعالى أن يقول للملائكة إنه علم ما أبدوه من الدهشة حين أخبرهم أنه سيخلق آدم، كما علم ما كتموه من الحيرة في فهم حكمة الله، كما علم ما أخفاه إبليس من المعصية والجحود، وأدرك الملائكة أن آدم هو المخلوق الذي يعرف، وهذا أشرف شيء فيه، وهو قدرته على التعلم والمعرفة.

 

وكما فهموا السر في أنه سيصبح خليفة في الأرض، يتصرف فيها ويتحكم فيها بالعلم والمعرفة وهو معرفة بالخالق، وهذا ما يطلق عليه اسم الإيمان أو الإسلام، وعلم بأسباب استعمار الأرض وتغييرها والتحكم فيها والسيادة عليها، ويدخل في هذا النطاق كل العلوم المادية على الأرض وإن نجاح الإنسان في معرفة هذين الأمرين، وهما الخالق وعلوم الأرض، يكفل له حياة أرقى، فكل من الأمرين مكمل للآخر، وكان آدم عليه السلام يحس الوحدة، فخلق الله عز وجل، له حواء من أحد منه، فسمّاها آدم حواء، وأسكنهما الجنة، وقيل لا نعرف مكان هذه الجنة، فقد سكت القرآن الكريم عن مكانها واختلف المفسرون فيها على خمسة وجوه، فقال بعضهم إنها جنة المأوى، وأن مكانها السماء، ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولها على إبليس.

 

ولما جاز فيها وقوع عصيان وقال آخرون إنها جنة المأوى خلقها الله تعالي لآدم وحواء، وقال غيرهم إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع، وذهب فريق إلى التسليم في أمرها والتوقف، ونحن نختار هذا الرأي، وإن العبرة التي نستخلصها من مكانها لا تساوي شيئا بالقياس إلى العبرة التي تستخلص مما حدث فيها، ولم يعد يحس أبو البشر آدم الوحدة، وكان يتحدث مع حواء كثيرا، وكان الله قد سمح لهما بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة، فأطاع آدم وحواء أمر ربهما بالابتعاد عن الشجرة، غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره، واستغل تكوين آدم النفسي، وراح يثير في نفسه يوما بعد يوم، وراح يوسوس إليه يوما بعد يوم.

 

فيقول ” هل أدلك علي شجرة الخلد وملك لا يبلي” وتسائل أدم عليه السلام بينه وبين نفسه، ماذا يحدث لو أكل من الشجرة ؟ ربما تكون شجرة الخلد حقا، وكل إنسان يحب الخلود، ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير في هذه الشجرة، ثم قررا يوما أن يأكلا منها، ونسيا أن الله عز وجل حذرهما من الاقتراب منها، ونسيا أن إبليس عودهما القديم، ومد آدم يده إلى الشجرة وقطف منها إحدى الثمار وقدمها لحواء، وأكل الاثنان من الثمرة المحرمة، وهنا نقول بأنه ليس صحيحا ما قيل من إغواء أم البشر حواء لآدم عليهما السلام وتحميلها مسئولية الأكل من الشجرة، وإن نص القرآن الكريم لا يذكر حواء، وإنما يذكر آدم، كمسئول عما حدث، وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم عليه السلام، وكما أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء، أخطأ آدم بسبب الفضول.

 

ولم يكد آدم عليه السلام ينتهي من الأكل حتى اكتشف أنه أصبح عار، وأن زوجته عارية، وبدأ هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري، وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة، وهبط آدم وحواء إلى الأرض، واستغفرا ربهما وتاب إليه، فأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها، وأخبرهما الله تعالي أن الأرض هي مكانهما الأصلي، يعيشان فيها، ويموتان عليها، ويخرجان منها يوم البعث، ويتصور بعض الناس أن خطيئة آدم عليه السلام بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة، ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك، وهذا التصور غير منطقي لأن الله سبحانه وتعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة ” إني جاعل في الأرض خليفة” ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى