مقال

الدكروري يكتب عن غزوة فتح مكة “جزء 2”

الدكروري يكتب عن غزوة فتح مكة “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع غزوة فتح مكة، وقد كان هناك ضحايا من بني بكر قتلتهم خزاعة، وبعد مرور سنوات وسنوات على هذه الجريمة التي قامت بها خزاعة في حق بني بكر، تذكرت بنو بكر ثأرها مع خزاعة فأرادت أن تنتقم، وهذا بعد صلح الحديبية، فأغارت على خزاعة وقتلت منهم رجالا، وكانت معاهدة الحديبية تنص على أن من أغار على خزاعة، فكأنه أغار على الدولة الإسلامية، وموافقة قريش على إغارة بني بكر على خزاعة يُعد نقضا صريحا للمعاهدة بينهم وبين المسلمين، وأغارت قبيلة بكر على خزاعة، التي كانت آمنة وغير مستعدة للقتال، وقتلت منهم الكثير من الرجال، فلم تجد خزاعة إلا أن تفر إلى الحرم، بحكم أن مساكنها قريبة منه، فخرجت رجالا ونساء وصبيانا إلى مكة، فطاردتها بكر بالسلاح، حتى وقع القتال داخل الحرم.

 

دون أن تحرك قريش ساكنا، بل إنها أمدت بكرا بالسلاح في هذا القتال الأرعن، وأسرعت خزاعة إلى المدينة المنورة تستغيث بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان عمرو بن سالم أول من جاء إليه من خزاعة، وكان رد فعل الرسول عندما سمع منه ما حدث قوله ” نصرت يا عمرو بن سالم ” وقرر الرسول صلى الله عليه وسلم نصرة خزاعة، لأنه كان فيما بينهم حلف يقضي بأن يدافع كل طرف عن الآخر إذا ما تعرض إلى أي اعتداء، بغض النظر عن ملة قبيلة خزاعة مسلمة أو مشركة، واتجه الرسول صلى الله عليه وسلم، نحو السماء قائلا “إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب ” فكانت تلك شرارة فتح مكة، وحدد رسول الله خيارات واضحة أمام المشركين، دفع دية من قتل من خزاعة، أو أن تحل نفسها من عهد بني بكر.

 

أو تعلن أن صلح الحديبية صار لاغيا، فردت قريش بقبول الشرط الأخير، وقد حدث فتح مكة في العام الثامن للهجرة تحديدا في العشرين من شهر رمضان وجاء هذا الفتح على إثر نقض قريش صلح الحديبية الذي تم بين المسلمين وأهل قريش، وجاء النقض على هيئة قيام أهل قريش بإمداد بني بكر بالمال والسلاح وذلك للاعتداء على خزاعة، حيث أن قبيلة خزاعة كانت قد دخلت مع المسلمين في صلح الحديبية، وبعد أن حدث ذلك النقض وخيانة العهد بينهم، قام عمرو بن سالم الخزاعي بالقدوم إلى المدينة المنورة وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عما فعلته قريش وبعد ذلك أمر النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام بالاستعداد وكان ذلك سرا تجنبا لمعرفة قريش بذلك، وإن من العجب أن هذه الخيانة التي وقعت منهم كانت والرسول صلى الله عليه وسلم.

 

ما زال على وفائه لهم بالعهد الذي بينه وبينهم، حتى إنه صلى الله عليه وسلم رد من جاء المدينة المنورة مؤمنا من مكة مرة ثانية إلى قريش، وفاء ببنود المعاهدة، وقد رأينا ذلك حين أعاد صلى الله عليه وسلم أبا بصير إلى مكة رغم خطورة هذه الإعادة على إيمان أبي بصير، وهو الأمر الذي لم تفعله قريش ولم تفعله بنو بكر، وخانوا المعاهدة، والمشكلة الكبيرة الأخرى هي أن بني بكر كانت تلعب بالقوانين، وقريش تشاهد ذلك الأمر وتقبله، بل يقبله الجميع، فالقتال دار في داخل مكة البلد الحرام، في داخل البيت الحرام، وهو أمر خطير، إذ الجميع كان يؤمِن كل زائري هذه المنطقة، وكان هذا متعارفا عليه لدى قريش ولدى الجزيرة العربية وكل القبائل إذ كان ذلك بمنزلة قانون عام متعارفا عليه لدى الجميع، على المسلمين والمشركين.

 

وما حدث هو أن بني بكر دخلت إلى مكة المكرمة لتقتل خزاعة في داخل الحرم، الأمر الذي أدهش جيش بني بكر نفسه من استمرار القتل في داخل الحرم، حتى نادوا على زعيمهم نوفل بن معاوية الديلى من بني بكر، وقالوا يا نوفل، إلهك إلهك ، يعنون أن قوانين إلهك، اللات والعزى وهُبل وغيرها لم تشرع القتال داخل البيت الحرام، وهنا رد عليهم قائدهم هذا بكلمه فاجرة، قال لا إله اليوم ، ثم قال يا بني بكر، أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه؟ فشجعهم على استمرار عملية القتل، لتحدث الجريمة الكبرى، وقريش لا تشاهد هذا الأمر فقط، بل تساعد عليه، فكان هذا خرقا واضحا للبند الثالث من بنود صلح الحديبية، وسرعان ما أدرك أبوسفيان حجم الورطة، فأسرع للمدينة في محاولة لطلب مد الصلح مجددا ، لكن فات الوقت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى