مقال

الدكرورى يكتب عن بر الأمهات ” جزء 4″

جريدة الاضواء

الدكرورى يكتب عن بر الأمهات ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع بر الأمهات، وكان أبو هريرة رضى الله عنه إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما ربيتني صغيرا، فتقول وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما بررتني كبيرا، وقيل للتابعي الجليل الإمام الحسن البصرى ما البر؟ قال الحب والبذل، قيل وما العقوق؟ قال أن تهجرهما وتحرمهما، ثم قال الحسن النظر إلى وجه الأم عبادة، فكيف برها؟ وعن منذر الثورى قال كان الإمام محمد الحنفية يمشط رأس أمه، فهكذا كان الأئمة والعلماء والأنبياء في الحرص الحثيث على بر أمهاتهم، فأين أولئك الذين يرفعون أصواتهم على أمهاتهم ويوبخونهن، أم أين أولئك الذين يتسببون في إدخال الحزن والقهر على أمهاتهم؟ أم أين أولئك الذين بلغت بهم شقوة أنفسهم.

لأن يضربوا أمهاتهم ويلحقون بهن الأذى الجسدي والنفسي؟ وإن من المؤسف أننا بدأنا نتبع الغرب ونترك ما أمرنا الله عز وجل من طاعة الوالدين، وعلى وجه الخصوص الأم حيث جعلوا لها يوما واحدا ندخل عليها السرور ونقدم لها الهداية وسمي هذا اليوم بيوم عيد الأم والله تعالى قد حذرنا من مشابهة اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم، وهل هذا ما طلبه الله ونبينا صلى الله عليه وسلم منا أن نجعل برها يوما واحدا؟ فواجب على كل مسلم أن يبر بوالدته، وأن يقدم لها أطيب ما عنده، وأن يدخل عليها السرور في كل وقت وحين، فهذا هو المطلوب شرعا منك، وليس من يدعي برها بعيد الأم لحظات وينتهي برها ، فهذا ظلم بحق الأم، فإن هذه الحقوق العظيمة التي لا يمكن لأحد أن يتجاهلها، وكيف وهو يخص أغلى إنسانة، وكيف وهو يخص تلك الدرة المصونة.

والجوهرة الغالية، إنها الأم، نعم الأم نذكر بحقها سواء كانت حية أو ميتة، نعم الأم، وما أدراك ما الأم، إنها إحساس ظريف، وهمس لطيف، وشعور نازف بدمع جارف، فالأم هى كنز مفقود لأصحاب العقوق، وهى كنز موجود لأهل البر والودود، فالأم تبقي كما هي في حياتها وبعد موتها، وفي صغرها وكبرها فهي عطر يفوح شذاه، وعبير يسمو في علاه، وزهر يشم رائحته الأبناء، وأريج يتلألأ في وجوه الآباء، ودفء وحنان، وجمال وأمان، ومحبه ومودة، ورحمه وألفه، وأعجوبة ومدرسه، وشخصيه ذات قيم ومبادئ، وعلو وهمم، وهي المربية الحقيقية لتلك الأجيال الناشئة، فالأم مدرسه إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، فالأم هي قسيمه الحياة ، وموطن الشكوى، وعماد الأمر، وعتاد البيت، ومهبط النجاة وهي آية الله ومنته ورحمته لقوم يتفكرون.

فالأم صفاء القلب ونقاء السريرة، ووفاء وولاء، وحنان وإحسان، وتسليه وتأسيه، وغياث المكروب ونجده المنكوب، فالأم أشد أمم الأرض بأسا، واسماها نفسا، وأدقها حسا، وأرسخها في المكرمات أقداما، وارفعها في الحادثات أعلاما، فالأم كوكب مضيء بذاته، ويسمو في صورته وسماته، وأجمل بلسما في صفاته ولها منظرا أحلى من نبراته، ونفس زكيه طاهرة بصلاته، وجسما غريبا يبهر في حجابه، وعيونا تذرف الحب بزكاته، جدها عبرة ومزحها نزهة، نخلة عذبة، وشجرة طيبة، ومخزن الودائع ومنبع الصنائع، فالأم نعم الجليس، وخير الأنيس، ونعم القرين في دار الغربة، ونعم الحنين في ساعة القربة، فقال تعالى ” وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا” وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟

قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك” رواه مسلم، وفي هذا عظم حق الأم على الوالد حيث جعل لها ثلاثة حقوق وذلك أنها صبرت على المشقة والتعب، ولاقت من الصعوبات في الحمل والوضع والفصال والرضاع، والحضانة والتربية الخاصة، ما لم يفعله الأب وجعل للأب، حقا واحدا مقابل نفقته وتربيته وتعليمه وما يتصل بذلك، فإن لأمك حق لو علمت كثير، كثيرك يا هذا لديه يسير، فكم ليلة باتت بثقلك تشتكى لها من جواها أنآت وزفير، وفى الوضع لا تدري عليها، مشقة منها الفؤاد يطير، وكم غسلت عنك الأذى، وما حجرها إلا لديك سرير، وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها، حنانا وإشفاقا وأنت صغير، وتفديك مما تشتكيه بنفسها، ومن ثديها شرب لديك نمير، فضيعتها لما أسنّت جهالة، وطال عليك الأمر وهو قصير، فآها لذي عقل ويتبع الهوى، وآها لأعمي القلب وهو بصير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى