مقال

الدكرورى يكتب عن بر الأمهات ” جزء 7″

جريدة الأضواء

الدكرورى يكتب عن بر الأمهات ” جزء 7″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع بر الأمهات، وهذا مصداق الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال ” لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن” وفي لفظ آخر قال صلى الله عليه وسلم ” لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع، قالوا يا رسول الله فارس والروم ؟ قال فمن؟ والمعنى فمن المراد إلا أولئك فقد وقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، من متابعة هذه الأمة إلا من شاء الله منها لمن كان قبلهم من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفرة في كثير من أخلاقهم وأعمالهم حتى استحكمت غربة الإسلام وصار هدي الكفار وما هم عليه من الأخلاق والأعمال أحسن عند الكثير من الناس مما جاء به الإسلام.

وحتى صار المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة عند أكثر الخلق بسبب الجهل والإعراض عما جاء به الإسلام من الأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة المستقيمة، فكم من ساعات قضى فيها المسلم للوالدين حاجات، غفر الله عز وجل بها الذنوب والزلات، وخرج بها الهموم والكربات، وكم ولد بار أو فتاة بارة قاما من عند والديهما بعد سلام أو طيب كلام أو هدية متواضعة وقد فتحت أبواب السماء بدعوات مستجابات لهما من والديهما الضعيفين الكبيرين، فاتقوا الله في الوالدين، سيما إذا بلغا من الكبر والسن ما بلغا، ووهن العظم منهما واشتعل الرأس شيبا، إذا بلغت بهما الحال ما بلغت وأصبحا ينظران إليك نظر الذي ينتظر لقمة هنية أو أعطية جزية، فقيل أنه حدّث أحد رجال الإطفاء فقال إنهم وصلوا إلى بيت قد اشتعلت فيه النيران.

وفي البيت أم وأطفال لها ثلاثة، بدأ الحريق في إحدى الغرف، فحاولت الأم الخروج من الأبواب فإذا هي مقفلة، صعدت سريعا مع أطفالها الثلاثة إلى سطح المنزل لتخرج من بابه فألقته مغلقا كذلك، حاولت فما استطاعت، كررت فأعياها التكرار، تعالى الدخان في المنزل، وبدأ النفس يصعب، احتضنت صغارها، ضمتهم إلى صدرها، وهم على الأرض حتى لا يصل الدخان الخانق إليهم، والأم الرؤوف تستنشقه هي، لما وصلت فرق الإنقاذ إلى سطح المنزل وجدوها ملقاة على بطنها، رفعوها فإذا بأبنائها الثلاثة تحتها أموات، كأنها طير يحنو على أفراخه يجنبهم الخطر، تدافع عنهم من عدو كاسر، وجدوا أطراف أصابع يدها مهشّمة وأظافرها مقطوعة إذ كانت تحاول فتح الباب مرة، ثم ترجع إلى أولادها لتحميهم من لهيب النار وخنق الدخان مرة أخرى.

حتى قضت وقضوا، في صورة تجسد روعة التضحية، في لوحة مصونة بألوان الحنان منقوشة بريشة العطف والرحمة، ومع كل هذه التضحية والتفاني في الحفظ والرعاية التي تقدمها الأم لوليدها وفلذة كبدها، حتى قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في بيان عظم حقها مع الوالد” لا جزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فتشتريه فيعتقه” رواه مسلم، وإن مع هذا الحب الفياض والعطف الرؤوف والحنان المتدفق نسمع ونرى من صور العقوق ونكران الجميل والقسوة العجيبة والغلظة الرهيبة وإساءة العمل وسوء التعامل ما لايتحمله عقل ولا قلب، حقا إنها مأساة، فلا شك أن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى حب ورعاية الأولاد، بل وإلى التضحية للأولاد بكل غالى ونفيس، فكما تمتص النبتة الخضراء كل غذاء فى الحبة فإذا هى فتات، وكما يمتص الفرخ كل غذاء فى البيضة.

فإذا هى قشرة هشة، فكذلك يمتص الأولاد كل رحيق وعافية واهتمامومع ذلك فهما سعيدان، فإذا بالوالدين في شيخوخة فانية، ولكن من الأولاد من ينسى سريعا هذا الحب والعطاء والحنان والرعاية، ويندفع فى جحود وعصيان ونكران ليسيء إلى الوالدين بلا أدنى شفقة، أو رحمة أو إحسان، وتتوارى كل كلمات اللغة على خجل واستحياء بل وبكاء وعويل حينما تكتمل فصول المأساة، ويبلغ العقوق الأسـود ذروته حينما يقتل الولد أمه، وحينما يقتل الولد أباه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإليك قصة غاية فى البشاعة والإجرام والجحود، يقصها علينا قائل ويقول ولقد وقعت فى إحدى القرى جريمة مروعة شنعاء فى أسرة فقيرة تتكون من عشرة أبناء، يقضى الوالد المسكين ليله ونهاره ليوفر لأبنائه العيشة الطيبة الكريمة ويلحقهم بأرقى الكليات بالجامعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى