مقال

الدكروري يكتب عن الأنانية و النرجسية ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الأنانية و النرجسية ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الأنانية والنرجسية، وإن داء الأنا له صور وأشكال، قد يكون بلسان المقال، وقد يأتي بلسان الحال، قد يكون في صورة الغرور والتعالي، وقد يأتي في شكل حب الذات والأنانية، وقد يأتي في سياق الوضوح والصراحة، وقد يجيء في صور التعريض والإلماحة، وإن الحديث عن النفس في سياق الإطراء صورة صريحة للأناء، ومرآة الناس بالأعمال صورة صامتة للأناء، وفي الحديث ” الرجل يقاتل ليرى مكانه” لا حظ له من أجر الشهادة، والنقد اللاذع للآخرين، وحشد هفواتهم، وتقزيم آرائهم، واحتقار أفعالهم، هي رسائل خفية لإعلان شأن الذات، والتعصب للرأي، وعدم الرجوع للحق، خشية التعرض للقدح والتنقص، هي أنا متجذرة، دالة على الكبر والغرور، والأنفة من النصيحة، استصغارا واحتقارا لأهلها نوع آخر من التكبر، سببه الأنا.

 

والكبر في ميزان الشرع هو”بطر الحق، وغمط الناس” أي هو رد الحق واحتقار الناس، وكذلك التقدم على كبار السن في المجالس، فيه ما فيه من حب البروز، ونزعة الأنا، ومن يتخطى غيره في أماكن الترتيب والاصطفاف، ولا يقدر للناس وقوفهم وانتظارهم، تصرف مقيت، وأنانية مرذولة، ومن يغلق بسيارته الطريق، أو مراكب غيره، لأجل مصالحة الخاصة، تخلف حضاري يوحي بالأنانية والأنا، وأسوأ صور الأنا وأشنعها، أن يتطفل صاحب الأنا على مقام الشريعة بلا علم، فيجعل لنفسه حق الاجتهاد، والفتيا في النوازل، والفصل في مضائق المسائل، وهو مع ذلك جاهل بالناسخ والمنسوخ، لا يميز المحكم من المتشابه، ولا يعرف الصحيح من الضعيف، وربما لا يحسن قراءة بعض آيات التنزيل، وليس كل من قال أنا، فهو بالضرورة قد وقع في داء الأنانية أو الغرور.

 

ليس كل من قال أنا، فهو متعالي على الغير متكبر، كلا، قد قال خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم يوم حنين ” أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب” وقال صلي الله عليه وسلم “أنا سيد ولد آدم ولا فخر” فقد يتحدث المرء عن نفسه لحاجة، لا كبرا ولا مفاخرة، وإنما من باب الاقتداء به، أو للتحدث بنعمة الله عليه، والميزان في ذلك مقصد القلب، وما يكنه الصدر لا يعلمه إلا علام الغيوب، ومن أثار الانانيه هو اختصاص الذات أو الأقارب بالمصالح والمنافع دون غيرهم وهى أضرار كثيرة على الفرد والمجتمع، لأنها نوع من الأنانية البغيضة يجلب الحقد بين الأفراد، ويمنع من وصول الحقوق لأصحابها، وتلك حالة تدعو إلى تذمّر أصحاب الحق، وإلحاق الأذى بمن استأثر دونهم بالمال أو الوظيفة أو نحو ذلك مما ينبغي أن يكون الجميع فيه سواء.

 

وإن الأثرة والأنانية إذا شاعت في مجتمع من المجتمعات انحل عقده، وانفصمت عراه لأن ذلك ظلم لأصحاب الحقوق، وظلم أيضا لذوي الأثرة الّذين يحصلون على حقوق الغير، مما يجعلهم كسالى مغرورين، وإذا ما حدث تبدل في الأوضاع، فإنهم يطالبون برد هذه الحقوق التي غالبا ما يكونون قد أضاعوها لعدم تعبهم في الحصول عليها، وحينئذ تنقلب المنافع إلى مهالك، الحق على المسلم ألا يؤثر نفسه، أو أقاربه، أو أصهاره، أو مقربيه بنفع لا يستحقونه، حتى لا يعود ذلك وبالا عليه وعليهم، وعليه أن يتحلى بعكس هذه الصفة وهو الإيثار بأن يفضل غيره على نفسه، وحينئذ فقط يصبح من المفلحين الذين تخلصوا من شح أنفسهم وبخلها بالمنافع على الغير، فإن لم يفعل فالواجب عليه العدل بأن يعطي كل ذي حق حقه.

 

وله في أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة طيبة حيث مدحهم المولى سبحانه وتعالى بقوله “ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” وعلى من وقعت عليه الأثرة أن يصبر ويحتسب من ناحية، وأن يطالب بحقه بالمعروف، سائلا المولى سبحانه وتعالى أن يعينه، فالله سبحانه خير معين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى