مقال

الدكروري يكتب عن التطفل والفضول ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن التطفل والفضول ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

نري فى هذه الأيام أن كل إنسان ترك نفسه ومشاكله ومشاكل من يعول من أسرته وأولاده وزويه وبدأ يتدخل فى مشاكل الآخرين وبدأ يتطفل على غيره فى حين أنه مطالب بألا ينظر أو يفتش على عيوب غيره وأن ينشغل بعيوبه فقط ولقد جاء الدين الحنيف ليسمو بالمسلم، فحثه على التزام الأخلاق الرفيعة، والقيم النبيلة ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” ألا وإن من أخلاق دينكم التي يسمو بها بأفرادكم، ويحفظ بها مجتمعاتكم، ترك الاشتغال بما لا يعني، وهذا الحديث أصل عظيم من أصول تهذيب النفس وتزكيتها، وقد عدّه بعضهم ثلث الإسلام، ولقد قالوا “اجتمع فيه الورع كله” لماذا عباد الله؟ لأن ترك ما لا يعني لا تقوى عليه إلا القلوب السليمة والنفوس الزاكية، نفوس تنطوي سرائرها على الصفاء.

فأصحابها في راحة، والناس منهم في سلامة، وحسب المؤمن بهذا الحديث تذكرة وإرشادا، فإنه إذا ما عمل به فترك ما لا يعنيه فقد أحسن إسلامه، ومن أحسن إسلامه فقد أحرز الفضائل والمكرمات، وربح مضاعفة الأجور والحسنات، حتى تكون الحسنة في ميزانه أثقل من الجبال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها” ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وكلنا يسعى لأن يكون ذا إسلام حسن، وخلق رفيع، فما بال أقوام يأبون إلا التدخل في شؤون الناس؟ وإن مما يجمل بالمرء ويزينه، ويجعله شامة بين الناس، أن يدع الخلق للخالق، ويصرف قلبه عما لا يعنيه، فليس من بضاعة المؤمن الأريب.

والعاقل اللبيب، أن يشتغل بفضول الكلام، أو يجاري الجهلاء في القيل والقال، فأخلاقه العليا، وقيمه المثلى، تضفي عليه الاحترام وجميل الحياء، فتمنعه من أن يسأل الناس عن مكنون أحوالهم وخاص شؤونهم، وما دخله بتفاصيل حياتهم؟ ولقد رزق الله الناس لبيوتهم أبوابا، وجعل على أسرارهم سترا وحجابا، فهذا من ممتلكاتهم التي لا يرضون لها انكشافا، ويرفضون لها تسورا واقتحاما، فمابال أقوام يأبون الا أن يتقحموا في مالا يعنيهم ويتدخلوا فيما لا يخصهم، ولايهمهم فيفسدوا، وان من قلة الدين وضعف الايمان اشتغال المرء بما لا يعنيه اشتغاله بشؤون الآخرين، وخصوصياتهم، وكيفيات معاشهم، ومقدار تحصيلهم، والبحث في تفاصيل أحوالهم، في أنفسهم وأولادهم وأهليهم، والتدخل في مشكلاتهم، والسؤال عن هذا وذاك، فكم من مجالس عقدت ومناسبات نصبت.

وكلها على كلام لا حاجة للإنسان فيه، ولادخل له به بل عليه وزره، وإن المرء ليعجب من حبّ الناس للحديث في أمور نجّى الله تعالي أيديهم وأرجلهم منها، وأبوا مع ذلك إلا أن يتحدثوا فيها، وكل هذا من إهدار الزمان، وضياع الوقت ومن القيل والقال الذي ليس من ورائه مصلحة ولا منه منفعة، والاشتغال بما لا يعني، يبغضه الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ” إن الله كره لكم ثلاثا، قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال” رواه مسلم، فأنصف أذنيك من فمك، فقد جعل الله لك أذنين وفما واحدا، وذلك لتسمع أكثر مما تقول، وإعلم أن الرجل ليتكلم في ساعة ما يعجز عنه في شهر، وأخطر من ذلك كله الخوض في مسائل العلم والدين بجهل أو هوى، والكلام على الله بغير علم، فإنه من سبيل الشيطان، وإن من الطبيعي أن يهتم الإنسان بما يرتبط بشؤون حياته الخاصة.

ومصالحه الذاتية، وأن يصرف جهده في التفكير والسّعي من أجل خدمتها، ولأن الإنسان جزء من المجتمع، فإن من الطبيعي أيضا أن يهتم بالشأن الاجتماعي العام، وله الحق في ذلك، وقد يرقى هذا الاهتمام إلى مستوى الواجب المتحتم عليه، سواء لاعتبارات دينية أو اجتماعية أو إنسانية، وإذا كان من الطبيعي جدا أن يهتم المرء بشؤونه الخاصة والشأن الاجتماعي العام، إلا أن من غير الطبيعي أبدا أن يتدخل الإنسان بالشؤون الخاصة المرتبطة بغيره من الأشخاص لأن كل إنسان له حياته الخاصة وشؤونه الشخصية، العائلية والمالية والصحية والعبادية، وله أنماط سلوكه وعلاقاته الاجتماعية، وكما لا يرغب المرء في أن يتدخل الآخرون في شؤونه، فإن عليه هو ألا يتدخل في شؤون الآخرين لأن حياة الإنسان الخاصة ملك له.

وأسراره وقضاياه الشخصية حصن داخلي لا يرغب في تجاوز الآخرين عليه، فكما لا يرغب المرء بأن يقتحم الآخرون عليه بيته دون استئذان أو موافقة منه، كذلك الحال مع أي تدخل في شؤون الآخرين الخاصة، فهو تصرف غير مقبول أيضا، بل ويُعد ضربا من ضروب العدوان، فالعدوان على الآخرين ليس مقتصرا على الاعتداء البدني أو سرقة الأموال والممتلكات الخاصة وحسب، وإنما التدخل في خصوصيات الآخرين هو الآخر مظهر من مظاهر العدوان لما في ذلك من أذى شخصي يترتب على هذا التدخل، ولما في دس الأنف في شؤون الآخرين من إرباك حياتهم، فكم من العوائل تعرضت للأزمات والمشاكل نتيجة تدخل الآخرين في شؤونها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى