مقال

الدكروري يكتب عن السماحة بين البشر.

الدكروري يكتب عن السماحة بين البشر.

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

إن الإسلام هو دين السماحه ودين التسامح والعفو والصفح وإن من سماحته أنه لم يكتفي بتشريع العفو فحسب، بل راح يناشد الوجدان ويخاطب الضمير، فحبّب في العفو ورغب فيه، ومن عظيم سماحة الإسلام أنه حرّم الاقتصاص من الحامل أو إقامة الحد عليها حتى تضع حملها وترضعه، بل وأمر بالستر ودرء الحدود قدر الاستطاعة، وإن هذا الدين الإسلامي الحنيف الذي هدانا الله عز وجل إليه، ومن علينا به دين السماحة واليسر، لا عسر فيه ولا تعسير، ولا عنت فيه ولا مشقة وتأملوا نبي الرحمة، وإمام الأمة عليه الصلاه والسلام وهو يبين للأمة يُسر الدين وسماحته، ويبيّن الحال التي ينبغي أن يكون عليها أهل الدين مع الدين، ولما قدم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم المدينة غرس فيها بذور التسامح بين المسلمين وغيرهم.

 

فأقام معاهدة مع اليهود تنص على السماحة والعفو والتعاون على الخير والمصلحة المشتركة وحافظ الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على هذا الميثاق، وهو ميثاق التعايش السلمي في المدينة، ولكن اليهود سرعان ما نقضوه، ولقد ربى الإسلام أبناءه على السماحة، وحب الخير للناس جميعا ونبذ العنف ما بين المسلم والمسلم ومع غير المسلم ممن لا يحملون الضغينة، ويسالمون المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر ” فمن طبيعة النفس السمحة أن يكون صاحبها هيّنا ليّنا إذا رأى أذى يلحق أحدا من عباد الله رثى له، وواساه في مصيبته، ودعا الله عز وجل أن يغفر ذنبه، ويكشف كربه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال.

 

“إن الدين يسر، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة” رواه البخاري ومسلم، فقد جاءت رسالة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالسماحة والتسامح، والصفح، وحسن التعايش مع كافة الناس بصرف النظر عن معتقداتهم أو ألوانهم أو أعراقهم، إذن التعامل مع الجميع على حد سواء دون أدنى تمييز، وإن السماحة والتسامح كانتا هما السبب الحقيقي لنشر هذا الدين، والذي تم دخول الناس تحت لوائه بفضلهما، وبنظرة فاحصة متأنية إلى خريطة العالم التي شملها الفتح الإسلامي، والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد حث على السماحة والتسامح وأمر بهما وبالتزامها سلوكا لأفراد المسلمين وجماعاتهم، بل ورغب فيهما بما رتب على التزامهما من ثواب وجزاء في الدنيا والآخرة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال.

 

” رحم الله رجلا سمحا، إذا باع واذا اشتري واذا اقتضي” وهذا الخلق الرفيع والسلوك الراقي قد مارسه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما دعا إليه وحث عليه ليكون نموذجا وقدوة لمن يراه ويُعايشه، ولمن يأتي بعده فيعرف سيرته، ولم يقتصر الأمر على كون السماحة خُلقا وسلوكا في الدين الإسلامي، وإنما جعله النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أصلا من أصول الدين، ووصفا ملازما له، ومَعلما رئيسيا من معالمه، فمتى تم ذكر الإسلام، ذكر وصفه بالسماحة، فإن السماحة والتسامح يُعد في الرسالة المحمدية منحة إلهية رفع الله تعالي بها شأن هذه الرسالة الخالدة، وهي سمة بارزة من سماتها، بل هو سلوك حضاري إسلامي، يحفظ للأمة المحمدية توازنها، واعتدالها وخيريتها، وقد جسّده النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله.

 

مع أصحابه، والمشركين، واليهود والنصارى، وعموم أعدائه، وإن السماحة في الإسلام تتجلى في كل أمر من أموره، دقيقها وجليلها، إنها بحق بعث جديد للقيم في جوهرها، لأن هذه الأخلاق لم تكن في الإسلام يوما طلاء ذهبيا يتهافت الناس بسببه على سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، والسماجة ليست شعارا براقا يرفع في وقت دون وقت، بل هي خلق سام يتسع ويتسع حتى يتجاوز الإنسان، إلى الحيوان والنبات، فما أحوجنا إلى الخلق الجليل في زمن بلغ فيه البغض غايته، ورفع فيه الحسد رايته، ما أحوجنا إلى السهولة واليسر، والسماحة والتجاوز، حتى نعيش في هذه الدنيا بهناء، ونكون يوم القيامة سعداء، فعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من كان سهلا هينا لينا حرمه الله علي النار”

 

وإن هذا الدين العالمي الذي يخاطب الناس كافة، بجميع أعراقهم وأطيافهم، في كل أرجاء الأرض عالج جميع أمورنا الدينية والدنيوية الروحية والمادية دقها وجلها خاصها وعامها سرها وعلنها تميز بخصائص منها السماحة واليسر ونبذه للعنف وسماحة القوي ويسر المعتدل لا سماحة الخانع الذليل ولا يسر المضيع للدين، فتمثلت سماحة الإسلام في العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق وسائر تشريعاته مع المسلم وغير المسلم، فكان تعامله صلى الله عليه وسلم مع البشرية جمعاء مثلا يُضرب في العفو والصفح والإحسان والعدل والسماحة والتسامح، لذا اكتسبت رسالته صفة القبول والمحبة لدى الناس الذين لمسوا منه هذه الأخلاق الرفيعة، وإن مما لا شك فيه أن السماحة والرحمة تثمر مجتمعا يسوده الحب والتراحم، والتعاون والتلاحم.

 

وكما قيل أن النفس السمحة كالأرض الطيبة، إن أردت عبورها هانت، وإن أردت زراعتها لانت، وإن أردت البناء فيها سهلت، وإن شئت النوم عليها تمهدت، ومن الشواهد المهمة في تأثير السماحة على المدعوين، هو تعامل تجار المسلمين بالسماحة والتسامح في مجال البيع والشراء والمعاملات الأخرى، وحسن خلقهم مع الناس مما كان له بالغ الأثر في انتشار الإسلام في ربوع كثير من الدول في بداية انتشار الرسالة، وكان التسامح عاملا أساسا ومهما في نشر دعوة الإسلام في القارات، والإسلام، نظام واقعي في مواجهته للنفس البشرية والواقع البشري، وأنه لا يحملهم فوق طاقاتهم، ولا يفترض فيهم الرفعة الدائمة التي لا تسقط أبدا ولا تهبط أبدا، ولا يطلب منهم أن يلغوا بشريتهم ليكونوا مسلمين، وإنما يعاملهم على أنهم بشر، ويتطلب منهم ما يقدر عليه البشر.

 

وكيف يواجه لحظات الضعف العارضة التي تعرض للناس في حياتهم بسبب ثقله إلى الأرض، وكيف يسعى إلى علاجها لترتفع النفوس من جديد، وتصل إلى المستوى المطلوب ثم المرغوب، وللنظر الى المثال الواضح وهو تلك المرأة الغامدية التي ارتكبت جريمة الزنا، وهي مُحصنة، وحملت من الزنا، وجاءت إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ليطهّرها بإقامة الحد عليها، فما زالت به حتى أقام عليها الحد، ولما بدرت من خالد بن الوليد جملة فيها سبها، فقال له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” أتسبّها يا خالد؟ والله لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين بيتا من أهل المدينة لوسعتهم، وهل ترى أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل؟ ومن سماحة الاسلام، هو نهى الإسلام عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة وأهل الصوامع والبيع الذين لا اعتداء من ناحيتهم ولا خطر من بقائهم فكان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إذا أرسل جيشا أو سرية يوصيهم بالإحسان والتسامح والرحمة بالنساء والضعفاء، فعليكم بالسماحه والتسامح يرحمكم الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى