مقال

الدكروري يكتب عن إياكم والوالدين ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن إياكم والوالدين ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد أمر الله سبحانه وتعالي عباده أمرا مقطوعا به بأن لا يعبدوا إلا إياه وأمر بالإحسان للوالدين، والإحسان هو البر والإكرام، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما هو أنه “لا تنفض ثوبك فيصيبهما الغبار” فالوالدان هما سبب وجود الأبناء والبنات بعد إذن الله ومشيئته، وهما مَن ربّى وعلم، وأرشد وقوّم، وتعب وصبر، وأحبّ وأشفق، وهما موئل السعادة والفرح، وروضة العطف والحنان، وينبوع المودّة والرحمة، لا يُحصى ما لقياه من تعب ونصب، وألم وأذى، وسهر وقيام، وقلة راحة وعدم اطمئنان، من أجل راحة الأبناء والبنات، وفي سبيل رعايتهم، والعناية بهم، فسهر بالليل، ونصب بالنهار، ورعاية واهتمام بالتنظيف في كل وقت وحين، وحماية من الحرّ والبرد والمرض، وتعهّد وتفقد لحالة الأبناء من جوع وشبع، وعطش وروي، وصحة ومرض، يراقبان حركات الصغير وسكناته.

ومشيه وجلوسه، وضحكه وعبوسه، وصحّته ومرضه، يفرحان لفرحه، ويحزنان لحزنه، ويمرضان لمرضه، وإن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذنه في الجهاد فقال “أحي والداك؟ قال نعم، قال ” ففيهما فجاهد” متفق عليه، ومن بر الوالدين هو إيناسهما وإدخال السرور عليهما شرط للهجرة والجهاد، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان فقال صلى الله عليه وسلم “ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما” رواه الترمذي، وإذا كان هذا في عظائم الأمور فلا تسأل عما دون ذلك؟ وإن بر الوالدين هو وفاء وقربة وهو طريق إلى الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف” قيل من يا رسول الله؟ قال ” من أدرك والديه أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة” رواه مسلم.

وكما أن رضا الرب في رضاهما وسخط الرب في سخطهما ودعوتهما لك لا ترد وأين أنت من بسط الرزق والفسحة في الأجل، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه” رواه البخاري، وهل هناك أقرب من الوالدين وأولى منهما بالصلة؟ وإن الجزاء من جنس العمل، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” بروا آباءكم تبركم أبناءكم” وإن بر الوالدين سبب لكشف الكربات، وزوال الهموم والملمات، ففي الحديث المتفق عليه عن الثلاثة الذي آواهم المبيت إلى غار من الجبل، فسقطت على فتحة الغار صخرة من الجبل فأطبقت عليهم، ولم يستطيعوا الخروج منه فقام أحدهم يدعوا ويتوسل بطاعة والديه أن يبعد عنهم الصخرة ” وهذه هي الأم، وما أدراكما الأم، هي التي حملت ووضعت وأرضعت، وأطعمت وسقت، وسهرت وتعبت.

فكان لبنها الغذاء والطعام، وحجرها المرقد والمنام، فإن الأم هي التي حملت وليدها تسعة أشهر في بطنها، وهي تعاني من آلام ومرض ووهن وثقل، حتى إذا آن وقت المخاض والولادة، شاهدت الموت، وقاست من الآلام ما الله به عليم، فتارة تموت، وتارة تنجو، وبعد الولادة يبدأ السهر والتعب، ترضع وليدها حولين أو أقرب، وتضعف لمرض وليديها وفلذة كبدها، وتغيب بسمتها إن غابت ضحكته، وتذرف دموعها إذا اشتد به المرض والوعك، وتحرم نفسها الطعام والشراب إن صام طفلها عن لبنها، وتتحمل من الذل والشقاء أمثال الجبال كي يحيا ويسعد، وتموت راضية إذا اشتد عوده واستوى، ولو كان ذلك على حساب صحتها وقوتها وسعادتها، لذا خصّها الله تعالى بالذكر في وصيته بالإحسان إلى الوالدين، فقال عز وجل في سورة الأحقاف ” حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وقصاله ثلاثون شهرا”

أي قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعبا، ووضعته بمشقة أيضا من الطلق وشدته، وقال سبحانه وتعالي في سورة لقمان “حملته أمه وهنا علي وهن وفصاله في عامين” أي حملته أمه في بطنها جهدا على جهد، وضعفا على ضعف، وتربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين، كما قدمها النبي صلى الله عليه وسلم على الأب في البرّ والصلة والإحسان، لما تنفرد به عن الأب من الحمل والوضع والرضاعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أحق الناس بحُسن صحابتي؟ قال أمك قال ثم من؟ قال ثم أمك، قال ثم من؟ قال ثم أمك، قال ثم من؟ قال ثم أبوك” متفق عليه، فحق الأم مُضاعف على حق الأب بثلاثة أضعاف، لأنها وحدها التي تحمِل وتضع وترضع، ومهما اجتهد الأبناء في البر بالأم فلن يوفوها حقها ولن يبلغوا الغاية في مكافأتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى