مقال

الدكروري يكتب عن وعاء العمر والحياة ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن وعاء العمر والحياة ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع وعاء العمر والحياة، فإن طول العمر بالنسبة لهذا الإنسان نقمة وليس بنعمة، فعمرك إنما هو وعاء لأعمالك فلا تكن حريصا على الوعاء، بدون حرص على ما يحتويه هذا الوعاء، لأن قيمة الوعاء بما يحتويه, وقيمة عمرك بما تجنيه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ودعاء المؤمن بطول العمر في الدنيا، ليس المقصود منه طول المكث فيها فقط، فقد يكون وقتك وعمرك قصيرا، ولكن الخير فيه كثير وكثير جدا، فهذا هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، في فترة وجيزة من عمره لا تتجاوز السنتين ونصف وهي فترة ولايته وخلافتة، ملأ فيها الأرض عدلا، بعدما ملئت جورا وظلما، والمسلم يعلم أنه لن يدرك الجنة إلا بحسن استثمار فرص العمر بكل أوقاته وأحواله فيما يرضي ربه، لأنه عن كل ذلك سوف يسأل، كذلك يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم.

 

” لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتي يسأل عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟” رواه الترمذي، وإنه من السفه والغفلة هو إتلاف الوقت وتبديده، فذلك أشد وأوخم من إتلاف المال وتبذيره، فكل وقت ضائع هو خسارة لجانب من مطالب الدين والدنيا والآخرة، ومن المؤسف المؤلم أن تجد المسلم اليوم أكثر إهمالا وتبذيرا وتبديدا لأوقات عمره الثمينة، وهو على علم ويقين بما ينتظره ليوم القيامة، تلك حال كثير من المسلمين الذين يبيدون الساعات الطوال في المقاهي والملاهي، وألوان الفرجة في الأفلام والمباريات والسهرات، وحول موائد اللعب والقمار وغيرها، لاهين عن ذكر الله، وعن الصلاة، متقاعسين عن صالح الأعمال للدنيا والآخرة، وإذا كان لا مانع من قسط الترفيه والترويح بالضرورة فهو في غير إفراط ولا تفريط.

 

ولكن المسلم العاقل الحازم الذي يتوق إلى رضا الله ورضوانه، ويعلم أن طريق ذلك جد وعمل، واجتهاد ومثابرة، واغتنام الأوقات بما يرضي الله تعالى من الصالحات، وفعل الخيرات، فيبادر ويسارع قبل انصرام العمر، وحلول الأجل، وإن طول العمر، مع حسن العمل، لمن علامات سعادة الإنسان، فالمؤمن لا يزيده طول العمر إلا خيرا، فهو يتوب من الزلات والخطايا، ويتزود من الصالحات والحسنات، ويكون المؤمن أكثر عقلا وفقها وأكثر إدراكا، فلا تزيد الأيام العبد المؤمن الصالح إلا خيرا بإذن الله عز وجل فالأعوام والشهور والأيام والساعات تمضي وتنقضي وهي رأس مال الإنسان في هذه الحياة الفانية، فالسعيد من اغتنمها في الطاعات وشغلها في إرضاء رب الأرض والسموات، والشقي من ضيعها في المنكرات وأهدرها في المعاصي والمحرمات.

 

وإذا كان خير الناس من طال عمره وحسن عمله، فإنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائما أن يجعله ممن طال عمره في طاعة، وذلك من أجل أن يكون من خير الناس، فيا من أطال الله عمره وأمدّ بقاءه فجاوزت الشهور والسنين ولا تدري متى الرحيل، فإن كنت ممن وفقت للخيرات فاشكر الله على الفضل الكبير، واحمده على الخير الكثير، وسله سبحانه الإخلاص والثبات حتى الممات، وإن كنت من أهل التقصير والتفريط، وضاع وقتك فيما لا ينفع، فبادر بالتوبة قبل فوات الأوان، فأبوابها ولله الحمد مفتوحة للتائبين، واغتنم ما بقي من حياتك في طاعة ربك وإرضاء خالقك، واعلم أن الذين أضاعوا أعمارهم في غير طاعة، وأفنوا حياتهم بغير توحيد، ولا إيمان، فهؤلاء باؤوا بالخسران المبين، وإن المشكلة تكمن في عدم معرفة قيمة الوقت، والوقت سريع التقضي، أبي التأتي، لا يرجع مطلقا.

 

والعاقل هو الذي يفعل ما يغتنم به وقته، وقال بعض أهل العلم ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ثم ليس فقط انتهاز العمر بالطاعات، واغتنام الأوقات بالعبادات، وإنما يقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، وهذه مسألة تحتاج إلى فقه، اغتنام الوقت في أفضل ما يمكن تحتاج إلى فقه، لأن المسألة، مسألة التفاضل بين الأعمال لا يمكن التوصل إليها إلا من خلال الأدلة الشرعية، ولذلك فلا بد أن يكون للمسلم علم بالأعمال التي نص الشارع على فضلها، وأنها أفضل من غيرها، وإن من أعظم ما تشغل به وقتك هو الدعوة إلى الله عز وجل وهو أن تعلم الناس العلم الذي تعلمته وأن يكون منهج حياتك هو قول الحق سبحانه وتعالي كما جاء في سورة يوسف ” قل هذه سبيلي أدعوا إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين” وقد تقول ليس عندي علم كثير؟ فأقول لك يقول النبي صلى الله عليه وسلم “بلغوا عني ولو آية” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى