مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن عساكر” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن عساكر” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام الحافظ إبن عساكر، ومن أعيان فقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به، وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، وقال عنه ابن كثير هو أحد أكابر حفاظ الحديث، وممن عُني به سماعا، وجمعا، وتصنيفا، واطلاعا، وحفظا لأسانيده ومتونه، وإتقانا لأساليبه وفنونه، صنف تاريخ الشام في ثمانين مجلدة، فهي باقية بعده مخلدة، وقد ندر من تقدمه من المؤرخين، وأتعب من يأتي بعده من المتأخرين، فحاز فيه قصب السبق، ومن نظر فيه وتأمله رأى ما وصفه فيه وأصله، وحكم بأنه فريد دهره في التواريخ، وأنه الذروة العليا من الشماريخ، وقد تتسع حلقة دمشق في منهج ابن عساكر لتشمل الشام أحيانا فيترجم لمن كان في صيدا أو حلب أو بعلبك أو الرقة أو الرملة، وكما اتسعت لديه دائرة نطاق المكان اتسعت دائرة الزمان، فامتدت من زمن أقدم الأنبياء والمرسلين إلى عصر المصنف.

وقيل عنه أنه كان مواظبا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، يحيي ليلة النصف والعيدين بالصلاة والتسبيح ويحاسب نفسه على لحظة تذهب في غير طاعة، ويقول ابن عساكر قال لي والدي لما حملت بي أمي رأت في منامها قائلا يقول تلدين غلاما يكون له شأن، وحدثني أن أباه رأى رؤيا معناه يولد لك ولد يحيي الله به السنة، ولما عزم على الرحلة، قال له أبو الحسن بن قبيس أرجو أن يحيي الله بك هذا الشأن، ويقول حدثني أبي قال كنت يوما أقرأ على أبي الفتح المختار بن عبد الحميد وهو يتحدث مع الجماعة ، فقال قدم علينا أبو علي بن الوزير، فقلنا ما رأينا مثله، ثم قدم علينا أبو سعد السمعاني، فقلنا ما رأينا مثله، حتى قدم علينا هذا ويقصد ابن عساكر، فلم نري مثله.

وقال القاسم وحكى لي أبو الحسن علي بن إبراهيم الأنصاري الحنبلي، عن أبي الحسن سعد الخير قال ما رأيت في سن أبي القاسم الحافظ مثله، وحدثنا التاج محمد بن عبد الرحمن المسعودي، سمعت الحافظ أبا العلاء الهمذاني يقول لبعض تلامذته وقد استأذنه أن يرحل فقال إن عرفت أستاذا أعلم مني أو في الفضل مثلي، فحينئذ آذن إليك أن تسافر إليه، اللهم إلا أن تسافر إلى الحافظ ابن عساكر، فإنه حافظ كما يجب، فقلت من هذا الحافظ ؟ فقال حافظ الشام أبو القاسم، يسكن دمشق، وأثنى عليه، وكان يجري ذكره عند ابن شيخه، وهو الخطيب أبو الفضل بن أبي نصر الطوسي ، فيقول ما نعلم من يستحق هذا اللقب اليوم أعني الحافظ ويكون حقيقا به سواه، كذا حدثني أبو المواهب بن صصرى، وقال لما دخلت همذان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء وقال لي.

أنا أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد ، فلو خالق الناس ومازجهم كما أصنع ، إذا لاجتمع عليه الموافق والمخالف، وقال لي أبو العلاء يوما أي شيء فتح له وكيف ترى الناس له ؟ قلت هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلا بالجمع والتصنيف والتسميع حتى في نزهه وخلواته، فقال الحمد لله، هذا ثمرة العلم، ألا إنا قد حصل لنا هذه الدار والكتب والمسجد، هذا يدل على قلة حظوظ أهل العلم في بلادكم، ثم قال لي ما كان يسمى أبو القاسم ببغداد إلا شعلة نار من توقده وذكائه وحسن إدراكه، وروى زين الأمناء، حدثنا ابن القزويني، عن والده مدرس النظامية قال حكى لنا الفراوي قال قدم علينا ابن عساكر، فقرأ علي في ثلاثة أيام فأكثر، فأضجرني، وآليت أن أغلق بابي وأمتنع، جرى هذا الخاطر لي بالليل، فقدم من الغد شخص.

فقال أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك، رأيته في النوم فقال امض إلى الفراوي، وقل له إن قدم بلدكم رجل من أهل الشام أسمر يطلب حديثي، فلا يأخذنا منه ضجر ولا ملل، قال فما كان الفراوي يقوم حتى يقوم الحافظ أولا، وقال أبو المواهب وأنا كنت أذاكره في خلواته عن الحفاظ الذين لقيهم، فقال أما ببغداد، فأبو عامر العبدري، وأما بأصبهان، فأبو نصر اليونارتي، لكن إسماعيل الحافظ كان أشهر منه، فقلت له فعلى هذا ما رأى سيدنا مثل نفسه، فقال لا تقل هذا، قال الله تعالى فلا تزكوا أنفسكم قلت فقد قال وأما بنعمة ربك فحدث فقال نعم، لو قال قائل إن عيني لم تري مثلي لصدق، وقال أبو المواهب وأنا أقول لم أري مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة من لزوم الجماعة في الخمس في الصف الأول إلا من عذر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى