مقال

الدكرورى يكتب عن الأوابين إلي الله ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكرورى يكتب عن الأوابين إلي الله ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع الأوابين إلي الله، وأحسنوا بإقامة شرعه جل وعلا في أنفسكم، بحفظ أنفسكم من كل سيئة والمبادرة إلى كل طاعة، فإن ذلك مما يعرضكم لرحمته ويفتح لكم خزائن الرحمة، والله جل في علاه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، تعرض لرحمة الله، فقد قال ربك سبحانه وتعالى ” إن رحمة الله قريب من المحسنين” فإذا أردت الرحمة فكن من هؤلاء، فقال تعالى ” إن رحمة الله قريب من المحسنين” والمحسنون في عبادة الله، المحسنون مع الخلق بكل أوجه الإحسان قولا وعملا وبذلا وسائر أوجه الإحسان حتى الإحسان إلى البهائم، فقد دخلت امرأة الجنة في كلب سقته عطشان، ودخلت امرأة النار في هرة حبستها فلم تطعمها ولم تذرها تأكل من خشاش الأرض، فاعمروا قلوبكم بالرحمة للخلق، فإذا أردت رحمة الله فارحم الخلق، الراحمون يرحمهم الله.

وليست الرحمة بعيدة على من أخذ الأسباب، بل لا تنزع الرحمة إلا من شقي، ومن لا يرحم لا يرحم، فارحموا الخلق وارحموا كل من تدرككم الرحمة في شأنهم، واحتسبوا الأجر عند الله، لا تنتظروا جزاء ولا شكورا ولا عوضا ولا مقابلة، عاملوا الله في الخلق تنجوا من كل ضائقة تكدركم في معاملتهم، وسلوا الله من رحمته صادقين فالله كريم منان لا يرد من سأله صادقا، فما من عبد يرفع يديه لربه ويرجع خالي اليدين، بل لا بد أن ينال من عطائه ما يشرح صدره ويقيه شر ما يخاف، وقد قال “إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردّهما صفرا” يعني خاليتين، ومن أجل فإن المؤمن قوي الإيمانِ يتميّز بقلب حي مرهف لين رحيم، يرق للضعيف، ويألم للحزينِ، ويحن على المسكين، ويمد يده إلى الملهوف، وينفر من الإيذاء، ويكره الجريمة، فهو مصدر خير وبر وسلام لما حوله ومن حوله.

وإذا كان الأمر كذلك فإن من أولى الناس وأحقهم بالرحمة وأمنهم بها وأولاهم بها الوالدين، فببرهما تستجلب الرحمة، وبالإحسان إليهما تكون السعادة، ثم من بعد ذلك الأولاد فلذات الأكباد، فبالرحمة تجتمع القلوب، وبالرفق تتآلف النفوس، والقلب يتبلد مع اللهو الطويل والمرح الدائم، لا يشعر بحاجه محتاج، ولا يحس بألم متألم، ولا يشاطر في بؤس بائس ولا حزن محزون، وإن طبيعة الدنيا لا تتخلص أفراحها من أحزانها, ولابد لكل فرحة من ترحة ومن ألم، إما سابق وإما مقارن وإما لاحق فالدنيا ليست دار مقام وإنما هي دار ابتلاء ولابد في هذه الحياة من مشاق يعانيها الإنسان في كل أمر يستقبله فلا يدرك شيئا منها إلا بعناء ومشقة تختلف هذه المعاناة وتلك المشقة من شخص إلى آخر إلا أن الجميع لابد وأن يناله من البلاء والعناء ما يتحقق به قول الحق سبحانه وتعالى.

” لقد خلقنا الإنسان فى كبد ” وإنه عندما تضيق بالإنسان الكروب وتحيط به الشدائد فلابد له من سبيل يخرج به من ذلك الضيق وينال به سعة وفرجا وإنه عندما تضيق بالإنسان الكروب وتحيط به الشدائد فلابد له من سبيل يخرج به من ذلك الضيق وينال به سعة وفرجا, ولابد له أن يعرف أسباب ذلك وأن يحيط بمفاتيح الفرج التي بها يدرك الخروج من المضايق وينال ما يؤمل من سعة الدنيا وراحتها فالدنيا ألوان وصنوف, والله تعالى نوّع فيها البلاء بين شدة ورخاء، صحة ومرض، غنى وفقر، ضيق وسعة، أمن وخوف، والناس يتقلبون في ذلك كله بين عدل الله تعالى وفضله وهم مختبرون في كل أحوالهم، مختبرون في الصحة كما هم مختبرون في المرض، مبتلون بالغنى كما هم مبتلون بالفقر، يرى الله تعالى ما هي عليه حالهم من الأمانة والصدق في الشدة والضيق وفي الرخاء والسعة.

فأروا الله عز وجل من أنفسكم خيرا واعرفوا كيف تتعاملون معه جل في علاه في شدتكم ورخائكم, كونوا عباد لله في كل أحواله تنالوا منه ولاية يكون بها سمعكم الذي تسمعون به وبصركم الذي تبصرون به ويديكم التي بها تبطشون ورجلكم التي تنتقلون، ولئن استنصرتموه نصركم, ولئن استعذتموه أعاذكم, كان الله لكم في كل شعركم إذا كنتم على ما يحب في كل شأنكم، فإذا اشتدت الأمور وضاقت الحياة وتكالبت على الإنسان المحن فاعلم أن الناس في ذلك على أحوال منهم القانطون الآيسون المتضجرون الجزعون فهؤلاء لا ينالون خيرا ولا يصيبون أجرا بل هم في شقاء وعناء في الحال والمآل, وقسم يُوفقون إلى الصبر ويطلبون من الله تعالى مفاتيح الفرج ويلجؤون إليه جل في علاه ليخرجوا من ضيق إلى سعة ومن فقر إلى غنى ومن شدة إلى رخاء ومن مرض إلى صحة ومن ضيق حال إلى سعة وبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى