مقال

الدكروري يكتب عن جماع كل شر وأصل كل ذم

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن جماع كل شر وأصل كل ذم
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بفعل الخير ونهانا عن الشر، وكذا رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم فقد أرسله الله تعالي معلما الناس الخير داعيا لهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها، وأن الإيمان كله هو حسن خلق، وأن حسن الخلق هو جوهر الدين، وأن هذا الدين كما قال الله عزوجل في الحديث القدسي “إن هذا الدين قد ارتضيته لنفسي، ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق، فأكرموه بهما ما صحبتموه” وإن المظهر الذي يجذب إلى الدين هو حسن الخلق، والشيء الذي ينفر من الدين هو سوء الخلق، وأنت على ثغرة كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك” وإن كل فرد مسلم يمثل بمفرده الإسلام، فإذا أساء نفر الناس منه وابتعدوا عنه، وإذا أحسن دخل الناس في دين الله أفواجا، وأن الصدق يقتضي أن تعتقد ما هو واقع.

وأن تقول ما هو واقع، وأن تعمل وفق منهج الله عزوجل، فإذا سلمت عقيدتك واستقام لسانك واستقام عملك وصلت إلى الجنة، وإذا اعتقدت اعتقادا زائغا، وتكلمت بغير ما تعلم و بغير الواقع، ولم تنضبط بمنهج الله عزوجل فهذا هو الطريق إلى النار، وإن أخطر شيء في حياتنا هو الكذب، ونحن أحوج ما نحتاج إليه هو الصدق، لو صدقنا فيما نعتقد و فيما نقول، وفيما نفعل لكانت حياتنا غير هذه الحياة، ولكنا بحال غير هذا الحال، ولرضي الله عنا، وأكرمنا، لأن الله عزوجل لا يحب الكاذبين، وإن الكذب هو الكلام على خلاف الواقع وإذا كان يعلم أنه بخلاف الواقع، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم ورهّب من الكذب لأنه يوصل إلى الفجور وهو الميل إلى الفساد والشرور، وإذا تكرر الكذب أصبح عادة وطبيعة يصعب الخلاص منها وعندها يُكتب الإنسان كذابا.

وإن الكذب منه ما هو من الكبائر ومنه ما يكون من الصغائر ومنه ما يكون كفرا والعياذ بالله تعالى، وإن الكذب هو جماع كل شر وأصل كل ذم لسوء عواقبه، وخبث نتائجه لأنه ينتج عنه النميمة، والنميمة تنتج البغضاء، والبغضاء تؤول إلى العداوة، وليس مع العداوة أمن ولا راحة ويقول ابن القيم رحمه الله وهل النعيم إلا نعيم القلب، وهل العذاب إلا عذاب القلب، وأي عذاب أشد من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر، وإعراضه عن الله والدار الآخرة، وتعلقة بغير الله، وانقطاعه عن الله، بكل وادي منه شعبة؟ وكل شيء تعلق به وأحبه من دون الله عُذب به ثلاث مرات” وصدق الله إذ يقول ” ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا” والكذب يؤدي إلى مرض القلب، والقلب المريض لا يشعر بالاطمئنان والسكينة، ونجد ذلك بوضوح في قوله تعالى.

“ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون” فالكاذب مريض القلب لأن الكذب نقيض الصدق، والصدق يهدي إلى البر، والكذب يهدي إلى الفجور، والإنسان الفاجر يحيا في الآلام النفسية بما تصوره له نفسه الأمارة بالسوء على أنه سعادة، والكذب ينقص الرزق، ويمحق البركة فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “بر الوالدين يزيد في العمر، والكذب ينقص الرزق، والدعاء يرد القضاء” وقال صلى الله عليه وسلم “البيعان بالخيار ما لم يتفرقَا، أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبيّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، محقت بركة بيعهما” فبسبب شؤم التدليس والخداع والكذب يزيل الله عز وجل بركة هذا البيع.

فترى الكذاب يزداد ربحه، ولكن لا بركة فيه، وكذلك فإن الكذب سبب لابتعاد الملائكة، وحرمان بركتهم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إذا كذب العبد، تباعد الملك عنه ميلا من نتن ما جاء به” رواه الترمذي، والكذب سبب لابتعاد الناس ونفرتهم عنه فمن تعوّد على الكذب وعُرف به، سقط من أعين الناس، وضاعت هيبته منهم، فتراه منبوذا إن قال لا يصدّق، وإن شفع لا يشفع، وإن خطب لا يخطب، والكذب سبب للحرمان من نعمة الهداية، فقال الله تعالى ” إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب” وفي هذه الآية وعيد من رب العالمين لمن يتجرأ على هذا الخُلق البغيض، فتجد أن الكذاب محروم وبعيد عن هداية الله تعالى، بعيد عن الصراط المستقيم لأنه اختار الطريق المعوج المظلم طريق الكذب، فكان الجزاء من جنس العمل.

والكذب سبب للطرد من رحمة الله تعالى فقال تعالى ” ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين” فالكذاب مطرود من رحمة الله تعالى والكذب يهدي إلى الفجور، وصاحبه متوعد بالنار فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا” رواه البخاري ومسلم وفي الحديث إشعار بسوء خاتمة الكذاب، الذي يتكرر منه الكذب وأصبح الكذب عادته، فهذا يكتب عند الله كذابا، فإذا كان ذلك كذلك، فالعاقبة وخيمة، وإن أشنع أنواع الكذب، وأخطر أنواع الكذب، وأشد أنواع الكذب بشاعة، أشدها خطورة هو أن تكذب على الله، هو أن تقول على الله ما لا تعلم، أو على أن تقول على الله بخلاف ما تعلم.

وأن تقول على الله ما لا تعلم، أن تنطلق من جهل في حديثك عن الله عزوجل، أن تحلل، وأن تحرّم، وأن تقول الله كذا، والله كذا، و هكذا سيفعل، وهكذا سيعفو، وأن تقول على الله ما لا تعلم أن تنطلق في حديثك عن الله بغير علم، فهذا كذب على الله، و هذا من أبشع أنواع الكذب، وهذا من أشنع أنواع الكذب، وهذا من أخطر أنواع الكذب، لماذا؟ لأنه لعب بدين الله، فيقول ابن عمر رضي الله عنهما “دينك دينك، إنه لحمك و دمك، خذ عن الذين استقاموا، و لا تأخذ عن الذين مالوا” وأن تقول على الله ما لا تعلم، وأن تنطلق في الحديث عن الله بجهل، وإن أخطر شيء فيك عقيدتك، فإذا صحّت صح كل شيء، وإن فسدت فسد كل شيء، بل إن أكبر خطأ يرتكبه الإنسان أقل من أقل عقيدة فاسدة، لأن العقيدة الفاسدة لن تتوب منها، لكن الخطأ يمكن أن تتوب منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى