مقال

الدكروري يكتب عن صفاء ونقاء القلوب ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن صفاء ونقاء القلوب ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع صفاء ونقاء القلوب، وأعمال الجوارح فيكون الحاكم عليه في ذلك كله، وهو ما جاء به الرسول الكريم محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل، ومعرفة القلب من أعظم مطلوبات الدين، ومن أظهر المعالم في طريق الصالحين، معرفة تستوجب اليقظة لخلجات القلب وخفقاته، وحركاته ولفتاته، والحذر من كل هاجس، والاحتياط من المزالق والهواجس، والتعلق الدائم بالله عز وجل فهو مقلب القلوب والأبصار، ويقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ” ثم قال رسول الله ” اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ” ومن عرف أنه عبد لله وراجع إليه فليعلم أنه موقوف ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول فليُعد لكل سؤال جوابا.

وقيل يرحمك الله فما الحيلة؟ قال الأمر يسير، تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي، وقد ضرب النبى الكريم محمد عليه الصلاة السلام أروع الأمثلة في الصفح والعفو، وعندما اجتمعت قريش في المسجد الحرام يوم الفتح الأعظم، وقريش التي مازالت تقاتله وتسبه وقد أخرجته من بلده فقال صلى الله عليه وسلم” يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ ، قالوا خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم فقال ” اذهبوا فأنتم الطلقاء ” ولقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في سلامة القلوب وطهارة الصدور، فكان لهم من هذه الصفة أوفر الحظ والنصيب ولقد كان لسلامة الصدر عندهم منزله كبرى حتى إنهم جعلوها سبب التفاضل بينهم، قال إياس بن معاوية بن مرة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ” كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدرا وأقلهم غيبة ”

ولنا في سلفنا الصالح قدوة ولا يعرف حقيقة الدنيا بصفوها وأكدارها، وزيادتها ونقصانها إلا المحاسب نفسه، فمن صفى صُفي له، ومن كدر كدّر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله ومن سره أن تدوم عافيته فليتقي الله ربه، فالبر لا يبلى، والإثم لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان، وإذا رأيت في عيشك تكديرا وفي شأنك اضطرابا، فتذكر نعمة ما شكرت، أو زلة قد ارتكبي فجودة الثمار من جود البذار، ومن زرع حصد، وليس للمرء إلا ما اكتسب، وهو في القيامة مع من أحب، وهذه وقفة محاسبة مع النفس، بل مع أعز شيء في النفس، مع ما بصلاحه صلاح العبد كله، وما بفساده فساد الحال كله، وقفة مع ما هو أولى بالمحاسبة وأحرى بالوقفات الصادقة، ويقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”

ويقول عليه الصلاة والسلام ” لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ” واعلموا أن صاحب القلب الحي يغدو ويروح، ويمسي ويصبح وفي أعماقه حس ومحاسبة لدقات قلبه، وبصر عينه، وسماع أذنه، وحركة يده، وسير قدمه، إحساس بأن الليل يدبر، والصبح يتنفس، والكون في أفلاكه يسبح بقدرة العليم وتدبير الحكيم، وإياكم من موت القلب فإن القلب الميت الهوى إمامه، والشهوة قائده، والغفلة مركبه، لا يستجيب لناصح، يتبع كل شيطان مريد، والدنيا تسخطه وترضيه، والهوى يصمه ويعميه وماتت قلوبهم ثم قبرت في أجسادهم، فما أبدانهم إلا قبور قلوبهم فهى قلوب خربة لا تؤلمها جراحات المعاصي، ولا يوجعها جهل الحق ولا تزال تتشرب كل فتنة حتى تسود وتنتكس، ومن ثم لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا،ولقد خلق الله عز وجل الخلق فجعل عليهم حقا أعظم وهو حق عبادته وحده لاشريك له، فقال تعالي ” وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه ”

ثم جعل الله تعالى للعباد حقوق لبعضهم على بعض وبين النبي صل الله عليه وسلم عظم هذه الحقوق ووجوب الإلتزام بها وأن العبد سيسأل يوم القيامة عنها فإن الدواوين في يوم القيامة تكون ثلاثه ويعني ذلك الأعمال التي تسجل فيها اعمال العباد، وإن الدواوين التي ترصد فيها أفعالهم ثلاثة، اما الديوان الأول فلا يغفر الله تعالى منه شيئا وهو الشرك بالله عز وجل حيث يقول تعالي” إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء” واما الديوان الثاني، فإن الله تعالى لا يعبأ به شيئا، ويعني ذلك هو داخل تحت المغفره وهو مابين العبد وبين ربه من التي ليس فيها ظلم للعباد، واما الديوان الثالث فهو الذي فيه حقوق العباد لبعضهم على بعض فإذا قصروا فيها كما في حق الزوجة على زوجها أو في حقه عليها إذا قصر فيه حُوسب عنه يوم القيامة, أو في حق الوالد على ولده أو في حق الوالد على ابيه إذا قصر فيه كان ديوان يحاسب عليه يوم القيامة أو في حق الجار على جاره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى