مقال

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني مع الدولة العباسية وثورة الزنج، كذلك كان الظاهر بيبرس في حاجة إلى ذلك الدعم الروحي لأمرين، الأول أن يحيط عرشه بسياج من الحماية الروحية، يقيه خطر الطامعين في ملك مصر والشام، ويبعد عنه كيد منافسيه من أمراء المماليك في مصر، الذين اعتادوا الوصول إلى الحكم عن طريق تدبير المؤامرات، والثاني وهو أن يظهر بمظهر حامي الخلافة الإسلامية، لذلك استدعى إلى القاهرة أميرا عباسيا هو أبو القاسم أحمد، وبايعه وعلماء الديار المصرية بالخلافة، فقلد الخليفة بيبرس أمور البلاد الإسلامية وما ينضاف إليها، وما سيفتحه من بلاد في دار الحرب، وألبسه خلعة السلطنة، ومنذ ذلك الوقت عُرف كل سلطان مملوكي بقسيم أمير المؤمنين، وقد ظلت الخلافة العباسية قائمة حتى سنة ألف وخمسمائة وتسعة عشر، عندما اجتاحت الجيوش العثمانية بلاد الشام ومصر، وفتحت مدنها وقلاعها.

فتنازل آخر الخلفاء عن لقبه لسلطان آل عثمان، سليم الأول، فأصبح العثمانيون خلفاء المسلمين، ونقلوا مركز العاصمة من القاهرة إلى القسطنطينية، وأما عن ثورة الزنج، فكانت ثورة بارزة على الخلافة العباسية في منتصف القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، وقد تمركزت حول مدينة البصرة، جنوب العراق اليوم، وامتدت لأكثر من أربعة عشر عاما وكان ذلك من عام ثماني مائة وتسع وستون، حتي ثماني مائة وثلاث وثمانون للميلاد، قبل أن تنجح الدولة العباسية في هزيمتها، ويعتقد أن الحركة بدأت بزنوج من شرق أفريقيا استعبدوا وجيء بهم إلى تلك المنطقة، وامتدت لتضم العديد من المستعبدين والأحرار في مناطق عدة من الإمبراطورية الإسلامية، فكان الزنج قد ثاروا على المالكين وأسسوا حكومة لهم كان مقرها مدينة المختارة وهي جنوب البصرة، وهددت الدولة العباسية حتى جندت كل إمكاناتها لتسحقها.

فكانت أطول ثورات العصر العباسي وأخطرها، حيث قامت حركة الزنج في عام مائتان وخمس وخمسون للهجرة، وأنهكت دولة الخلافة العباسية قبل أن تقضي عليها، وكان عماد هذه الحركة في بادئ الأمر بعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين وغيرهم، أما الفئات التي شاركت فيها فهي متنوعة وهم بعض الزنج، وأهل القرى، وبعض العرب، وعشائر عربية ثائرة على السلطة، أما فيما يتعلق بالشخصية التي قادت هذا الجمع، فهو شخص فارسي الأصل من أهل الري يدعى بهبوذ، وتسمى بعلي بن محمد وادعى انتسابه إلى عبد القيس ثم إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي، وهو شخصية محيرة حيث يلاقي الباحث صعوبات جمة في معرفة نسبه، وذلك بفعل تقلباته السريعة، تبعا للظروف التي كان يمر بها، ويبدو أن حياته كانت غير طبيعية فقد بدأها كشاعر في بلاط الخليفة بسامراء، ثم حاول القيام بحركة ضد النظام.

في البحرين للوصول إلى الحكم، إلا أنه أخفق في تحقيق مبتغاه، فسلك نهجا جديدا، وظهر كقائد ديني ومتنبيء، فادعى نسبا علويا محاولا أن يستثمر ما للشيعة من عطف وتأييد بين الناس، وقد أحله أتباعه من أنفسهم محل النبي حتى جُبي له الخراج، ويبدو أن جماعة كثيرة العدد في البحرين قد تنكرت له، مما دفعه إلى مغادرتها إلى البادية ليستقطب الأعراب، وادعى فيها النسب الشيعي على أنه يحيى بن عمر أبو الحسين، فالتف حوله بعض الأعراب فاستغلهم بإعادة السيطرة على البحرين، إلا أنه هزم وفر إلى مدينة البصرة، ووقف أثناء إقامته القصيرة فيها على أوضاعها الداخلية السياسية والاجتماعية حيث كان المجتمع البصري منقسما على نفسه، فحاول أن يستغل هذه الخلافات لصالحه إلا أنه فشل، وفي الوقت نفسه رأى في حياة العبيد فيها الذين يعملون في المستنقعات المجاورة فرصة لتحقيق طموحاته لكنه تم طردة منها فذهب إلى بغداد.

وفي بغداد استنبط نسبا علويا جديدا فانتسب إلى أحمد بن عيسى بن زيد، ثم حاول الوثوب إلى السلطة مستغلا الأوضاع المضطربة في حاضرة الخلافة العباسية، ولكنه لم يتمكن من ذلك بفعل إحكام نفوذ الأتراك وقبضتهم على الوضع السياسي، فعاد إلى البصرة في عام مائتان وخمس وخمسون للهجرة، ليتزعم حركة ثورية مدعيا أن الله أرسله لتحرير العبيد وإنقاذهم مما كانوا يعانونه من بؤس كما ادعى العلم بالغيب، وانتحل صفة النبوة، والواقع أن فكرة المهدي المنتظر رافقت علي بن محمد في جميع مراحل حياته السياسية فاستغلها بذكاء، وهو بادعائه المهدية، كان يضرب على وتر حساس في نفوذ جماعة العلويين الذين برح بهم الشقاء، فكانوا يأملون في ظهور المهدي المنقذ الذي يزيل عنهم الغمة، ويفرج عن أيامهم كربتها، وركز كثيرا على عراقة أصله وكتبها على نقوده وسمي نفسه المهدي علي بن محمد المنقذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى