مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حامد الغزّالي ” جزء 5″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حامد الغزّالي ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام أبو حامد الغزّالي، وقام بتأليف في ذلك كتابه مقاصد الفلاسفة موضحا منهجهم، ثم بعد ذلك وصل إلى نتيجته قائلا فإني رأيتهم أصنافا، ورأيت علومهم أقساما وهم على كثرة أصنافهم يلزمهم وصمة الكفر والإلحاد، وإن كان بين القدماء منهم والأقدمين، وبين الأواخر منهم والأوائل، تفاوت عظيم، في البعد عن الحق والقرب منه، وتناول الغزالي الفلسفة بالتحليل التفصيلي، وذكر أصنافهم وأقسامهم، وما يستحقون به من التكفير بحسب رأيه، وما ليس من الدين، بذلك اعتبر الغزالي أول عالم ديني يقوم بهذا التحليل العلمي للفلسفة، وأول عالم ديني يقوم بتصنيف في علومهم التجريبية النافعة، ويعترف بصحة بعضها، إذ قسّم الغزالي علوم فلاسفة اليونان إلى العلوم الرياضية، والمنطقيات، والطبيعيات، والإلهيات، والسياسات، والأخلاقيات.

 

وكان أكثر انتقاد الغزالي وهجومه على الفلاسفة ما يتعلق بالإلهيات، إذ كان فيها أكثر أغاليطهم بحسب الغزالي، وقام الغزالي بتكفير فلاسفة الإسلام المتأثرين بالفلسفة اليونانية في ثلاث مسائل، وبدّعهم في سبعة عشر مسألة، وقام بتأليف كتابا مخصوصا للرد عليهم في هذه العشرين مسألة سمّاه تهافت الفلاسفة، وفيه هاجم الفلاسفة بشكل عام والفلاسفة المسلمون بشكل خاص، وخاصة ابن سينا والفارابي، فقد هاجمهم هجوما شديدا، ويُقال إنه قضى على الفلسفة العقلانية في العالم العربي، منذ ذلك الوقت ولعدة قرون متواصلة. فجاء بعده ابن رشد فرد على الغزالي في كتابين أساسيين هما فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، ثم تهافت التهافت، وبحسب الباحثين أمثال يوسف القرضاوي وعباس محمود العقاد، فإن الغزالي يُعدّ في كثير من نظرياته النفسيّة.

 

والتربوية والاجتماعية صاحب فلسفة متميزة، وهو في بعض كتبه أقرب إلى تمثيل فلسفة إسلامية، وأنه فيلسوف بالرغم من عدم كونه يريد ذلك، وهذا ما صرّح به كثيرون من العرب والغربيين، حتى قال الفيلسوف المشهور رينان لم تنتج الفلسفة العربية فكرا مبتكرا كالغزالي، وقد رأى كثير من علماء المسلمين قديما أن الغزالي رغم حربه للفلسفة، لم يزل متأثرا بها، حتى قال تلميذه أبو بكر بن العربي شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفةَ، وأراد أن يتقيأهم فما استطاع، وقبل أن يستقر أمر الغزالي على التصوف، مرّ بمراحل كثيرة في حياته الفكرية، كما يرويها هو نفسه في كتابه المنقذ من الضلال، فابتدأ بمرحلة الشك بشكل لا إرادي، والتي شك خلالها في الحواس والعقل وفي قدرتهما على تحصيل العلم اليقيني، ودخل في مرحلة من السفسطة غير المنطقية حتى شُفي منها بعد مدة شهرين تقريبا.

 

ليتفرغ بعدها لدراسة الأفكار والمعتقدات السائدة في وقته، ويقول ولما شفاني الله من هذا المرض بفضله وسعة جوده، أحضرت أصناف الطالبين عندي في أربع فرق المتكلمون وهم يدعون أنهم أهل الرأي والنظر والباطنية وهم يزعمون أنهم أصحاب التعليم، والمخصوصون بالاقتباس من الإمام المعصوم، والفلاسفة، وهم يزعمون أنهم أهل المنطق والبرهان، والصوفية وهم يدعون أنهم خواص الحضرة، وأهل المشاهدة والمكاشفة، ويتابع ويقول فابتدرت لسلوك هذه الطرق، واستقصاء ما عند هذه الفرق مبتدئا بعلم الكلام، ومثنيا بطريق الفلسفة، ومثلثا بتعلم الباطنية، ومربعا بطريق الصوفية، فعكف على دراسة علم الكلام حتى أتقنه وصار أحد كبار علمائهم، وصنف فيه عدة من الكتب التي أصبحت مرجعا في علم الكلام فيما بعد مثل كتاب الاقتصاد في الاعتقاد.

 

إلا أنه لم يجد ضالته المنشودة في علم الكلام، ورآه غير واف بمقصوده، يقول عن نفسه فلم يكن الكلام أي علم الكلام في حقي كافيا، ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافيا، وبعد ذلك توجّه لعلم الفلسفة ودرسها وفهمها، ثم نقدها بشدة بكتابه تهافت الفلاسفة، ثم درس بعدها الباطنية فرد عليهم وهاجمهم، ليستقر أمره على علم التصوف، وقام الإمام الغزالي خلال مدة حياته وهي خمس وخمسين سنه بتأليف الكثير من الكتب في مختلف صنوف العلم، حتى أنه قيل إن تصانيفه لو وزعت على أيام عمره أصاب كل يوم كتاب، وقد وضع الباحثان جميل صليبا وكامل عياد قائمة بمؤلفات الغزالي ضمت مائتان وثماني وعشرون كتابا ورسالة، ما بين مطبوع ومخطوط ومفقود، وبسبب شهرة الغزالي وتصانيفه، نسبت إليه الكثير من الكتب والرسائل، وأصبح من الصعب تحديد صحة نسبتها إليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى