مقال

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 6″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء السادس مع شهر الجهاد والصبر، فإن النفس تارة تكون أمارة بالسوء، وتارة تكون لوامة، فهى تلوم صاحبها بعد وقوعه بالسوء، وتارة مطمئنة وهي التى تسكن إلى طاعة الله ومحبته وذكره، وكونها مطمئنة وصف مدح لها، وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها، وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم، فقال الإمام ابن القيم رحمه الله “ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا عن جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “المجاهد من جاهد نفسه فى طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه” رواه أحمد، فكان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نهيت عنه، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصار منه، وعدوه الذى بين جنبيه قاهر له.

ومتسلط عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله، بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج؟” والناس فى هذا على قسمين، قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته، وصار مطيعا لها، بل صار عبدا لهواه وشهواته، نعم، أيكون الإنسان عبدا لهواه، أيتخذ إلهه هواه؟ نعم ألا تستمع إلى قول الله تعالى كما جاء فى سورة الفرقان ” أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا” فبعض الناس قد اتخذ إلهه هواه، كل ما هوت نفسه شيئا طاوعها فأصبح كالعبد لهذا الهوى وأصبح أسيرا لنفسه ولشهواته وملذاته، فهذا يصدق عليه تصدق عليه هذه الآية، والقسم الثانى قسم ظفر بنفسه وجاهدها أشد المجاهدة، حتى قهرها فصارت مطيعة لله منقادة تعمل الأعمال الصالحة بيسر وسهولة، وجهاد النفس يكون بمحاسبتها أشد المحاسبة عما يصدر عنها من تصرفات.

وقد كانت محاسبة النفس دأب الصالحين من قبلنا، فقال ميمون بن مهران”لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه” ولهذا قيل “النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك” وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله تعالى كما قال فى سورة الحاقه ” يومئذ تعرضون على الله لا تخفى منكم خافيه” وكتب عمر رضى الله عنه إلى بعض عماله “حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه فى الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضى والغبطة، ومن ألهته حياته وأشغلته، عاد أمره إلى الندامة” وقال الحسن رحمه الله “إنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة”

وإن مما يعين الإنسان على محاسبة نفسه معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح غدا إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدا فيقول تعالى فى سورة الشعراء” يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم” فحق على العاقل الحازم حق على المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه بحركاتها وسكناتها وخطواتها وخطراتها، وإنما يظهر التغابن بين من حاسب نفسه اليوم، وبين من أهملها، إنما يظهر ذلك يوم التغابن يوم القيامة، فينبغي أن تكون محاسبة النفس منهجا للمسلم في حياته ممتثلا أمر ربه في قوله تعالى ” ولتنظر نفس ما قدمت لغد” فيحاسبها فينظر إلى وجوه التقصير عنده فيحرص على تلافيها، وينبغي أن يعقب هذه المحاسبة ما يسميه السلف الصالح بمشارطة النفس، ويسميه بعض الناس اليوم لغة العصر التخطيط للوقت.

فمثلا رجل حاسب نفسه فوجد أن من وجوه التقصير عنده أنه لا يصلى بعض الصلوات مع الجماعة فى المسجد فيشارط نفسه من الغد، بل يشارط نفسه من الآن على ألا تفوته الصلاة مع الجماعة في المسجد، ويتخذ الوسائل المعينة لذلك، وهكذا إذا كان الإنسان على جانب من المحاسبة والمشارطة للنفس فإن النفس تزكو، وإذا زكت أفلحت، فقال تعالى ” قد أفلح من زكاها” وأما عندما تنعدم المحاسبة، ويمر على الإنسان الليالى والأيام والشهور والأعوام والمواسم تلو المواسم، وهو يعيش في غفلة لم يحاسب نفسه يوما، فإنه سيتفاجئ بساعة النقلة من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، وسيتفاجئ بتلك الساعة ويندم حين لا ينفع الندم، وهنا يقول تعالى ” وقد خاب من دساها” وهذا هو الذى قد خاب حقا عندما يغفل عن محاسبة النفس، وتقوده النفس إلى الهوى، فيندم عندما يلقى الله عز وجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى