مقال

الدكروري يكتب عن العشر الآواخر والاعتكاف ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العشر الآواخر والاعتكاف ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع العشر الآواخر والاعتكاف، فالأول هو الخروج لأمر لا بد منه طبعا أو شرعا، مثل الخروج لقضاء الحاجة والوضوء الواجب والغسل الواجب، والأكل والشرب، فهذا جائز إذا لم يمكن فعله من المسجد، فإن أمكن فعله في المسجد مثل أن يكون في المسجد حمام يمكنه أن يقضي حاجته فيه وأن يغتسل فيه، أو يكون له من يأتيه بالأكل والشرب حينئذ فالأولى عدم الخروج لعدم الحاجة إليه، والأمر الثاني وهو الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه، كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك فلا يفعله إلا أن يشترط ذلك في ابتداء اعتكافه مثل أن يكون عنده مريض يحب أن يعوده أو يخشى من موته فيشترط في ابتداء اعتكافه خروجه لذلك فلا بأس به على أن لا يكثر ذلك أو يطول لأن هذا ينافي الاعتكاف، فلا يصح للموظف أن يشترط الخروج كل يوم للدوام، ولا لإمام أو مؤذن أن يعتكف في غيره مسجده.

 

ويشترط الخروج كل فرض، وإذا احتاج هؤلاء لمثل ذلك فإنهم يجددون نية الاعتكاف كلما عادوا، ولا يكون اعتكافهم متصلا والله اعلم، والأمر الثالث وهو الخروج لأمر ينافي الاعتكاف، كالخروج للبيع والشراء وجماع أهله ومباشرتهم ونحو ذلك، فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط، لأنه يناقض الاعتكاف وينافي المقصود منه، ويجوز له أن يخرج لشراء ما لابد له منه كالأكل والشرب ونحوهما، وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنه قالا: “لا جوار إلا بصوم” ويتفق قول الفقهاء على أنه في الشرع لزوم مسجد لطاعة الله تعالى، وإن كان بينهم ثمة تفاوت في التعريف في إثبات، أو حذف بعض الشروط والأركان كالنية، والإسلام، والصوم، والكف عن الجماع، وهكذا، فمثلا من تعاريف الحنفية هو اللبث في المسجد مع الصوم ونية الاعتكاف، ومن تعاريف المالكية هو لزوم مسلم مميز مسجدا مباحا.

 

بصوم كافا عن الجماع ومقدماته يوما وليلة فأكثر للعبادة بنية، ومن تعاريف الشافعية هو اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنية، ومن تعاريف الحنابلة هو لزوم المسجد لطاعة الله على صفة مخصوصة عاقل، ولو مميزا طاهر مما وجب غسلا، وعرفه ابن حزم بأنه “الإقامة في المسجد بنية التقرب إلى الله عز وجل ساعة فما فوقها ليلا أو نهارا” وعلى هذا فالاعتكاف في الشرع هو لزوم مسجد لعبادة الله تعالى من شخص مخصوص على صفة مخصوصة، وقال شيخ الإسلام “لو قيل لعبادة الله تعالى كان أحسن أي بدلا من طاعة الله تعالى فإن الطاعة موافقة الأمر، وهذا يكون بما هو في الأصل عبادة كالصلاة، وبما هو في الأصل غير عبادة، وإنما يصير عبادة بالنية، كالمباحات كلها بخلاف العبادة فإنها التذلل للإله سبحانه وتعالى” وقال أيضا ولما كان المرء لا يلزم ويواظب إلا من يحبه ويعظمه.

 

كما كان المشركون يعكفون على أصنامهم وتماثيلهم، ويعكف أهل الشهوات على شهواتهم شرع الله لأهل الإيمان أن يعكفوا على ربهم سبحانه وتعالى، وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك، فلذلك كان الاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله” والاعتكاف من الشرائع القديمة، كما قال تعالى ” وعهدنا إلي إبراهيم وإسماعيل أن طهر بيتي للطائفين والعاكفين” وكما قال تعالى عن السيدة مريم عليها السلام “فاتخذت من دونهم حجابا” وكما قال تعالى ” كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا” وقال شيخ الإسلام “ولأن مريم عليها السلام قد أخبر الله سبحانه أنها جعلت محررة له، وكانت مقيمة في المسجد الأقصى في المحراب، وأنها انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا، وهذا اعتكاف في المسجد واحتجاب فيه” ولحديث ابن عمر رضي الله عنه.

 

في نذر عمر أن يعتكف ليلة في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “أوف بنذرك” وأما حكمة شرعية الاعتكاف فبينها ابن القيم رحمه الله بقوله “لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى، متوقفا على جمعيته على الله، ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى، وكان فضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام، مما يزيده شعثا، ويشتته في كل واد، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه، أو يعوقه ويوقفه اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة، بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه، ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى