مقال

الدكروري يكتب عن شهر الإنتصارات والفتوحات ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن شهر الإنتصارات والفتوحات ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع شهر الإنتصارات والفتوحات، فهو شهر ارتفعت فيه رايات المسلمين عالية خفاقة، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، فما أعظمه من شهر، وما أعظم فضله، شهر انتصارات المسلمين التى ما زالوا يفاخرون بها، ويمنون أنفسهم بالرجوع إلى زمنها، ليس فقط في شهر رمضان بل في الشهور كلها، ولم تأت هذه الانتصارات إلا بعد أن تمسكوا بشرع الله القويم، وبكتابه الحكيم، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن فضائل هذا الشهر العظيم أن الله عز وجل قد جعله شهر النصر والحسم في مواقف كثيرة فإن هذا الشهر قد وقعت فيه العديد من الأحداث العظام والمواقف الجسام التي مثلت تحولا كبيرا في حياة الأمة، فمعاني الانتصارات وأبجديات العزة وأصول الكرامة قد تجسدت فى شهر رمضان الكريم، فإلى القلب الذى يفكر خاشعا بين يدى ملك السموات والأرض.

 

وينفطر كمدا على نكبات المسلمين، وإلى العين التي تسيل دمعا من خشية الله، ودما على أحوال المسلمين ومآسيهم، وإلى الجوارح التى تصوم ابتغاء رضوان الله، وتشتاق أن تجاهد أعداء الإسلام إلى هؤلاء جميعا، نقول لهم إننا فى شهر رمضان، الذى حقق المسلمون فيه عدة انتصارات فكانت بمثابة المحطة الفارقة والنقطة الفاصلة في حياة الأمة الإسلامية، وأولى هذه الانتصارات كانت يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، يوم بدر، فى العام الثانى من الهجرة، عندما التقت الفئة المؤمنة، جند الرحمن، بقيادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، مع جند الشيطان، الفئة الكافرة، بقيادة فرعون الأمة أبي جهل، وقد تراءت الفئتان من أول صدام بين الحق والباطل والإيمان والكفران، ويتنزل نصر الله عز وجل على المؤمنين، ليكون أعظم انتصارات الإسلام، ومن روعة الانتصار وعظمة المشهد.

 

أنزل الله عز وجل فى الواقعة قرآنا يتلى إلى يوم الدين فى سورة الأنفال، التى نزلت معظم آياتها فى شأن غزوة بدر، وقد سماها الله عز وجل يوم الفرقان لأنها كانت فرقانا بين عهد الاستضعاف والقلى وتسلط الأعداء، إلى عهد القوة والانتشار والنصر على الأعداء، واستحق أهل بدر صك المغفرة والعتق من النيران الذى أصدره رب البرية على لسان رسول البشرية “لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم” وكان من أبرز المعارك التي انتصر فيها المسلمون إبان عصر الخلفاء الراشدين، فهي معركة القادسية على الضفة الغربية لنهر الفرات التي وقعت في شعبان واستمرت إلى رمضان فى العام السادس عشر من الهجرة بين المسلمين والفرس، وكان قائد المسلمين الصحابى الجليل سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، وبلغ عدد جيش المسلمين فيها نحو عشرة آلاف، وكان قائد الفرس رستم ذو الحاجب.

 

ويتكون جيشه من مائة وعشرين ألف مقاتل، وقد مات المثنى بن حارثة الذي جرح في موقعة الجسر قبل المعركة، ومن الصحابة الذين كانوا يساعدون سعد بن أبي وقاص المغيرة بن شعبة، وقيس بن هبيرة، وطليحة بن خويلد الذى كان قد ادعى النبوة ثم تاب وأناب، فى معركة القادسية، وقبيل المعركة تم الاتصال بين المسلمين والفرس بهدف الوصول إلى اتفاق يمنع الحرب، ولكن هذا الاتصال لم يسفر عن نتيجة فقامت المعركة، وهى من المعارك الهامة في تاريخ الصراع بين المسلمين والفرس إذ فرَّ فيها رستم وعشرات الآلاف من جنوده إلى المدائن عاصمة الساسانيين، وغنم فيها المسلمون مغانم كثيرة، وكانت موقعة القادسية المعركة الحربية الحاسمة التي ساعدت الأمة الإسلامية الفتية على أن تنعطف انعطافة جديدة في مسيرتها التاريخية وكان ذلك انعكاس طبيعى لانتصارها الظافر على الفرس.

 

الذين كانوا يهيمنون هيمنة كاملة على الجناح الشرقى للوجود البشرى آنذاك، ومن ثم تسنى للأمة الإسلامية في هذه الموقعة الحاسمة تغيير ملامح التاريخ البشرى وذلك بعد أن استطاع المسلمون أن ينهوا الوجود الفارسى وسيطرته على تلك المناطق الهامة من العالم حينئذ، وفي موقعة القادسية تبلور أيضا مدى الإعجاز الفريد للجانب العقدى الذى فجَّر ينابيعه الإيثار الفياض والإيمان الصادق فى نفسيات المسلمين وذلك عبر الحوار الذى دار بين واحد من أبناء الحضارة الإسلامية البازغة، وبين ممثل لتلك الحضارة الفارسية الغاربة، وهذان المتحاوران هما الصحابي ربعى بن عامر رضي الله عنه ورستم قائد الفرس، وذلك عندما دخل ربعى بن عامر على رستم، فقال رستم له ما الذى جاء بكم إلى هنا؟ قال جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى