مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبا يزيد البسطامي ” جزء 3″ 

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبا يزيد البسطامي ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام أبا يزيد البسطامي، فهذا ما حكى أن خادم أبي يزيد رضي الله عنه قال سمعت أبا يزيد البسطامي رضي الله عنه يقول إني رأيت في المنام كأني عرجت إلى السماوات قاصدا إلى الله، طالبا مواصلة الله سبحانه وتعالى، على أن أقيم معه إلى الأبد، فامتحنت بامتحان لا تقوم له السماوات والأرض ومن فيهما، لأنه بسط لي بساط العطايا نوعا بعد نوع، وعرض علي ملك كل سماء، ففي ذلك كنت أغض بصري عنها، لما علمت أنه بها يجربني، فكنت لا ألتفت إليها إجلالا لحرمة ربي، وكنت أقول في ذلك يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، قال فقلت له رحمك الله صف لي مما عرض عليك من ملك كل سماء قال رأيت في المنام كأني عرجت إلى السماوات، فلما أتيت إلى السماء الدنيا فإذا أنا بطير أخضر، فنشر جناحا من أجنحته، فحملني عليه وطار بي حتى انتهي بي انتهائي إلى صفوف الملائكة.

 

وهم قيام متحرقة أقدامهم في النجوم يسبحون الله بكرة وعشيا، فسلمت عليهم، فردوا علي السلام، فوضعني الطير بينهم ثم مضى فلم أزل أسبح الله تعالى بينهم، وأحمد الله تعالى بلسانهم وهم يقولون هذا آدمي لا نوري إذ لجأ إلينا وتكلم معنا، قال فألهمت كلمات، وقلت باسم القادر على أن يغنيني عنكم، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن من نعته وصفته، فعلمت أن ربها يجربني، ففي ذلك كنت أقول مرادي غير ما تعرض علي، فلم ألتفت إليها إجلالا لحرمته، ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الثانية فإذا جاءني فوج فوج من الملائكة ينظرون إلى كما ينظر أهل المدينة إلى أمير يدخلها، ثم جاءني رأس الملائكة اسمه لاويد وهو اسم فارسي جعله اسما من أسماء الملائكة، وقال يا أبا يزيد، إن ربك يقرئك السلام، ويقول أحببتني فأحببتك، فانتهي بي إلى روضة خضرة فيها نهر.

 

يجري حولها ملائكة طيارة، يطيرون كل يوم إلى الأرض مائة ألف مرة، ينظرون إلى أولياء الله، وجوههم كضياء الشمس، وقد عرفوني معرفة الأرض، أي في الأرض، فجاؤوني وحيوني، وأنزلوني على شط ذلك النهر، وإذا على حافيته أشجار من نور، ولها أغصان كثيرة متدلية في الهواء، وإذا على كل غصن منها وكر طير، أي من الملائكة، وإذا في كل وكر ملك ساجد، ففي كل ذلك أقول يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، كن لي يا عزيزي جارا من جميع المستجيرين وجليسا من المجالسين، ثم هاج من سري شيء من عطش نارياق، حتى إن الملائكة مع هذه الأشجار، صارت كالبعوضة في جنب همتي، وكلهم ينظرون إلى متعجبين مدهوشين من عظم ما يرون مني، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليه إجلالا لحرمة ربي.

 

وكنت أقول يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى من صدق الإرادة في القصد إليه، وتجردي عما سواه، فإذا أنا بملك قد مد يده فجذبني، ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الثالثة، فإذا جميع ملائكة الله تعالى بصفاتهم ونعوتهم قد جاؤوني يسلمون علي، فإذا ملك منهم له أربعة أوجه وجه يلي السماء، وهو يبكي لا تسكن دموعه أصلا، ووجه يلي الأرض ينادي يا عباد الله اعلموا يوم الفراغ لعلها الفزع، يوم الأخذ والحساب، ووجه يلي يمينه إلى الملائكة يسبح بلسانه، ووجه يلي يساره يبعث جنوده في أقطار السماوات يسبحون الله تعالى فيها، فسلمت عليه، فرد علي السلام، ثم قال من أنت؟ إذ فضلت علينا، فقلت عبد قد منّ الله تعالى عليه من فضله، قال تريد أن تنظر إلى عجائب الله؟ قلت بلى، فنشر جناحا من أجنحته، فإذا على كل ريشة من ريشه قنديل أظلم ضياء الشمس من ضيئها.

 

ثم قال تعال يا أبا يزيد، واستظل في جناحي، حتى نسبح الله تعالى ونهلله إلى الموت، فقلت له الله قادر على أن يغنيني عنك، ثم هاج من سري نور من ضياء معرفتي أظلم ضوءها أي ضوء القناديل من ضوئي، فصار الملك كالبعوضة في جنب كمالي، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إلى ذلك إجلالا لحرمته، وكنت أقول في ذلك يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده فرفعني ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الرابعة، فإذا جميع الملائكة بصفاتهم وهيئاتهم ونعوتهم قد جاؤوني يسلمون علي، وينظرون إلى كما ينظر أهل البلد إلى أمير لهم في وقت الدخول، يرفعون أصواتهم بالتسبيح والتهليل من عظم ما يرون من انقطاعي إليه، وقلة التفاتي إليهم.

 

ثم استقبلني ملك يقال له نيائيل، فمد يده وأقعدني على كرسي له موضوع على شاطئ بحر عجاج، لا ترى أوائله ولا أواخره، فألهمت تسبيحه وانطلقت بلسانه، ولم ألتفت إليه، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليه إجلالا لحرمته، وكنت أقول يا عزيزي، مرادي غير ما تعرض علي فلما علم الله تعالى مني صدق الانفراد به في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده فرفعني إليه ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بملائكة قيام في السماء رؤوسهم في عنان السماء السادسة يقطر منهم نور تبرق منه السماوات، فسلموا كلهم علي بأنواع اللغات، فرددت عليهم السلام بكل لغة سلموا علي، فتعجبوا من ذلك، ثم قالوا يا أبا يزيد تعال حتى تسبح الله تعالى وتهلله ونعينك على ما تريد، فلم ألتفت إليهم من إجلال ربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى