مقال

الدكروري يكتب عن التاجر المسلم الصدوق ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التاجر المسلم الصدوق ” جزء 4″

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع التاجر المسلم الصدوق، وكذلك المحافظة على حقوق العباد فلا يطمع الإنسان فـي وديعة أؤتمن عليها ولا ينكر مالا أو متاعا أمّنه الناس عليه، وكما أن الأمانة العظمى، وهي الدين والتمسك به، وقال القرطبي الأمانة تعم جميع وظائف الدين، وكذلك كل من جاء بعدهم من العلماء والدعاة، فهم أمناء في تبليغ هذا الدين وكل ما يأتي من أنواع يمكن دخولها في هذا النوع، فعن أبي أنس مالك بن أبي عامر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان” رواه البخاري ومسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم “إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء، فقيل هذه غدرة فلان ابن فلان” رواه مسلم، وعن بن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

“لا إيمان لمن لا أمانة له ولا صلاة لمن لا طهور له ولا دين لمن لا صلاة له إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد” رواه أحمد والبزار، وإن الأمانة شرط أساسي لاصطفاء الرسل، وهي من أبرز أخلاقهم، فلولا أنهم أمناء على ما يعود بالنفع على أمتهم، وحريصون على هداية وإرشاد أقوامهم لما استأمنهم الله على رسالاته لخلقه، وكل رسول كان لسان دعوته لقومه ولسان حاله الذي يخاطب به الناس إني لكم رسول ناصح أمين، معبرا عن ثقل التبعة، وخطر ما يعلمه من عاقبة ما هم فيه من الجاهلية في الدنيا، ورغبته في هداية قومه وهو منهم وهم منه، وفي كل مرة يقف الملأ الذين استكبروا موقف الرفض، وعدم الاستسلام والخضوع لهذا الدين، وهذه القضية التي قامت عليها الرسالات، وقام عليها دين الله كله في الأرض، ولنا الوقفه في أمانة النبي صلى الله عليه وسلم في تجارته للسيدة خديجة رضي الله عنها.

 

حيث كانت السيدة خديجة رضي الله عنها كما يروى ابن الأثير وابن هشام امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الحديث وعظم الأمانة وكرم الأخلاق، أرسلت إليه ليخرج في مالها الى الشام تاجرا وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره، ومعه غلامها ميسرة وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا العرض فرحل إلى الشام عاملا في مالها ومعه ميسرة، فحالفه التوفيق في هذه الرحلة أكثر من غيرها، وعاد إلى خديجة بأرباح مضاعفة، فأدى لها ما عليه في أمانة تامة ونبل عظيم، ووجد ميسرة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم و عظيم أخلاقه ما ملأ قلبه دهشة له، وإعجابا به فروى ذلك للسيدة خديجة رضي الله عنها، فأعجبت السيدة خديجة بعظيم أمانته، ولعلها دهشت لما نالها من البركة بسببه.

 

فعرضت نفسها عليه زوجة بواسطة صديقتها نفيسة بنت منيّة، فوافق النبي عليه الصلاة و السلام، وكلم في ذلك أعمامه فخطبوها له من عمها عمرو بن أسد، وتزوجها عليه الصلاة والسلام وقد تم له من العمر خمسة وعشرون عاما ولها من العمر أربعون، وكما أن هناك جملة من السلوكيات المحرّمة التي ينتهجها بعض التجّار، متنكبين شرع الله تعالى وأوامره، آكلين أموال الناس بالباطل، ومن ذلك هو التطفيف وهو أن يتلاعب التاجر في الكيل أو الوزن أو العدد، وقد حذر الله تعالى من ذلك أشد التحذير، وتوعد فاعله بالعذاب الشديد، بل إن الله تعالى أهلَك قوم مدين لتطفيفهم الكيل والميزان، وذلك لما جاءهم شعيب عليه السلام فنهاهم عن ذلك فأبوا، فكانت عاقبتهم الهلاك والدمار، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بوزّان، فقال له “زن وأرجح” وذلك خشية أن يدخل هذا الوزّان في الوعيد الخطير، الذي أوعد الله به المطففين.

 

وكذلك من المنهيات هو الغش وهو أن يخفي التاجر عيوب بضاعته، ويظهر محاسنها، أو يزوّر تاريخ صلاحيتها، أو يكذب في بلد الصنع والإنتاج، أو يكذب في مواصفاتها وجودتها، أو غير ذلك من أنواع الغش التي كَثرت في زماننا، وهو كبيرة من الكبائر، تجمع في طياتها جملة من الكبائر المحرمة كالكذب، والخيانة، والتزوير، وأكل الحرام، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الغش، وأخبر بأن الغاش ليس على طريقة المسلمين، ولا على منهجهم، وكذلك أيضا الحلف الكاذب وهو أن يحلف التاجر بالله كاذبا ليقنع المشتري بسعر البضاعة، أو بجودتها، أو بصلاحيتها، أو ليخفي عيوبها، أو مصدرها، أو لأسباب أخرى، وقد نهى الله تعالى عن بذل الأيمان لغير ضرورة، فقال جل جلاله في سورة القلم ” ولا تطع كل حلاف مهين” والحلف في البيع مكروه ولو كان البائع صادقا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى