مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن خلدون ” جزء 9″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن خلدون ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء التاسع مع الإمام ابن خلدون، ويُعرف ابن خلدون الحجابة في المغرب، فيقول هي الاستقلال بالدولة والوساطة بين السلطان وبين أهل دولته، حيث يعتبر الحاجب هو المسؤول عن شؤون الناس، إذ يملك في يده زمام أمور الدولة كافة، وهو الأمر الذي يتطلب أن يكون صاحب هذه الوظيفة على قدر عالي من العلم والثقافة والنباهة، وقد اجتمعت هذه الصفات في ابن خلدون، فكان مصدر ثقة للعديد من السلاطين الذين استعانوا به لاسترجاع ملكهم. الحجابة لدى صاحب قسنطية تسلم ابن خلدون الحجابة بقرار من السلطان أبي العباس بعد مقتل أمير بجاية، وذلك لمساعدة ابن خلدون له في استعادة ملكه، لكنه لم يمكث طويلا في هذا المنصب لكثرة استعانة الناس به عند السلطان، وكما اشتعل ابن خلدون بالسفارة حيث استعمل سلطان المغرب عبدالعزيز ابن خلدون.

 

ليقوي علاقته مع أهل بلاد رياح، فعيّنه سفيرا فيها لعلاقته الطيبة مع أهلها، كما شغل سفيرا للسلطان أبي حمو في منطقة الدوادة أيضا ليوطد العلاقة بين أهلها والسلطان، وبعد فترة ترك ابن خلدون السفارة ثم خرج إلى أحياء أولاد عريف، ومكث في قلعة أبي سلامة قرابة الأربعة أعوام تفرغ خلالها للكتابة، فخرج بمقدمته المشهورة مع أجزاء من التاريخ، وفي الأندلس طلب السلطان أبو عبد الله بن الأحمر من ابن خلدون أن يذهب إلى ملك قشتالة عام سبعمائة وخمس وستين من الهجرة، لإقامة الصلح بينهما، فرحب به ملك قشتالة بشدة، وطلب منه أن يبقى في قشتالة على أن يرد له ملك أجداده، لكن ابن خلدون رفض ورجع إلى السلطان ابن الأحمر مبشرا إياه بأداء ما أرسله لأجله، وفي مصر شغل ابن خلدون مناصب ومهمات عدة في مصر، ومنها القضاء الخاص بالمالكية.

 

فشغل ابن خلدون منصب قضاء المالكية، حيث كان أولها عام سبعمائة وست وثمانين من الهجرة، بأمر من الملك الظاهر برقوق، إذ خوله لذلك ما كان يملكه من معارف وخبرات، ثم أعيد تعينه بذات المنصب عام ثماني مائة وواحد، أما المرة الثالثة فكانت بأمر من الملك السلطان فرج عام ثماني مائة وثلاث من الهجرة، فيما كانت الرابعة سنة ثماني مائة وأربعة من الهجرة، أما المرة الخامسة فكانت عام ثماني مائة وسبعة من الهجرة، والتي لم تدم لأكثر من أربعة أشهر بسبب وفاته، كما عمل ابن خلدون في وظيفة التدريس في مصر في أماكن عدة، حيث كانت بدايته مدرسا في جامع الأزهر، ثم انتقل إلى مدرسة القمحية بأمر من صلاح الدين بسبب وفاة بعض المدرسين فيها، كما شغل وظيفة التدريس في مدرسة الظاهرية أو البرقوقية، كما عمل كمدرس لمادة الحديث.

 

في مدرسة صرغتمش عام سبعمائة وواحد وتسعين من الهجرة، واشتغل بمنصب ولاية خانقاه بيبرس، حيث شغل ابن خلدون هذا المنصب خلفا لشرف الدين الأشقر، وذلك بعد عودته من أداء فريضة الحج عام سبعمائة وتسعين من الهجرة، بطلب من السلطان الظاهر لتوسعة رزقه وهكذا نشأ ابن خلدون في بيئة زاخرة ومتنوعة، فمنذ كان عمره عشرين عاما استطاع أن يشغل عدة وظائف كان منها كتابة السر وخطة المظالم، كما شغل عدة مناصب فاختبر مناصب الوزارة، والسفارة، والخطابة، والقضاء، والحجابة، والتدريس، غير أنه جرّب حياة القصور المرفّهة، وقسوة الاعتقال والسجن، كما عاش في ظل تقلبات سياسية عديدة كان طرفا في بعضها، وقد ساعد هذا التنوع ابن خلدون على اكتساب خبرة واسعة، ومعرفة عميقة كان لهما الأثر في التكوين الفكري والثقافي لابن خلدون.

 

فخرج بكتابه المشهور باسم العبر في ديوان المبتدأ والخبر، وعاش ابن خلدون مراحل حياته الأخيرة زاهدا معتزلا مفاتن الدنيا، فقد عزم على الانقطاع وترك منصب قاضي المالكية، إلا أن حاله في ذلك تراوح بين عزل وإعادة مرات عدة، غير أنه استمر في مهنة التدريس والتعليم إلى أن توفي فجأة في السادس والعشرين من شهر رمضان عام ثماني مائة وثمانية من الهجرة، الموافق السادس عشر آذار من عام ألف وربعمائة وخمسة ميلادي، عن عمر يناهز الثمانية والسبعين عاما، ودفن في مقابر الصوفية عند باب النصر شمال مدينة القاهرة والدار التي ولد بها كائنة بنهج تربة الباي عدد أربع وثلاثين بتونس العاصمة بالمدينة العتيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى